اختبار ورقة دوار الشمس لرجل الإطفاء

TT

مع اقتراب اللحظة التي يتعين على الرئيس الأميركي باراك أوباما حينها اختيار خليفة للقاضي ديفيد سوتر، سوف تتردد عبارة «اختبار ورقة دوار الشمس» في مختلف أرجاء البلاد. وعلى الرغم من أن البيت الأبيض سوف ينفي تطبيقه مثل هذا الاختبار، فإنه يبقى من المؤكد أن الشخص الذي سيتم تعيينه سوف يقع عليه الاختيار طبقا لمواقفه حيال قضايا الإجهاض والنقابات وغيرها من القضايا الأثيرة لدى الليبراليين. ومن جانبي، لا أرى غضاضة في هذا الأمر، لكن ما أرغب في معرفته هو موقفه إزاء فرانك ريتشي، وهو أحد رجال الإطفاء.

علاوة على ذلك، يتولى ريتشي زعامة دعوى قضائية عرضت أخيرا على المحكمة العليا. وتكمن مأساة ريتشي في خوضه واجتيازه امتحان قسم الإطفاء التابع لمدينة نيو هافين في ولاية كونيكتيكت، من أجل الترقي لرتبتي ملازم أول ونقيب. ومع ذلك، حرم ريتشي من الترقي لأنه أبيض البشرة. وربما يعترض البعض على قولي هذا، زاعمين أن العنصر لا دخل له فيما تعرض له ريتشي، ولكن تبقى حقيقة أنه لو كانت بشرته سوداء اللون، لكان قد حصل على رتبة ملازم أول.

ما زاد من مأساة ريتشي، معاناته من مرض «ديسلكسيا»، أي ضعف القدرة على فهم اللغة المكتوبة، الأمر الذي دفعه لبذل المزيد من الجهد ولمدة أطول كي يجتاز الاختبار. ووصل عدد ساعات دراسته إلى 13 ساعة يوميا. ومن أجل الاختبار، اضطر ريتشي للتضحية بعمل ثان ودفع لأحد معارفه ما يزيد على 1.000 دولار بهدف تسجيل الكتب الدراسية اللازمة على شرائط سمعية. وفي النهاية، أثمرت جهود ريتشي عن نتائج إيجابية، فمن بين 77 مرشحا للوظائف الخالية الثماني، أحرز سادس أعلى درجة في الاختبار.

وللأسف، لم يكن أي من الناجحين من أصحاب البشرة السوداء. ومع أن هذا أمر مؤسف حقا، فإنه لم يكن نتاج خطأ اقترفه ريتشي. وخلال فترة عمله الممتدة لـ11 عاما كرجل إطفاء، لا يوجد بسجل ريتشي ما يوحي بأنه ارتكب أي أمر أعاق تقدم أي من أبناء البشرة السوداء أو الأصول اللاتينية. لكن الإجابة في مثل هذه المواقف، كما نعلم جميعا، تتمثل في أن الفرد لا يشكل أدنى أهمية ـ وأن الأهمية الكبرى تكمن في المجموعة.

يتميز ريتشي ببشرة بيضاء اللون، ولم تكن البشرة البيضاء هي ما تسعى نيو هافين للحصول عليه. وعليه، ألقت المدينة بكافة نتائج الاختبارات جانبا، وكنموذج على المساواة العكسية، لم تقم بترقية أي شخص. وأعلنت أنه نظرا لعدم ترقي أي شخص، فإن أحدا لم يتعرض للمعاناة ـ وليس حتى ريتشي نفسه، الذي تحرك انطلاقا من إيمانه بأن العمل الجاد ستجري مكافأته، بينما الواضح أن العنصر شكل 100% من قيمة هذا الاختبار.

وعلينا ألا نخلط قط بين ما هو غير منصف وما هو غير قانوني، لكن ذلك لا يمنع من أنه من حين إلى آخر يتزامن الاثنان معا. وينطبق هذا القول على نحو خاص في حالات كتلك، نظرا لضعف مبررات العمل الإيجابي حينها. ربما كان ممكنا في فترة من الفترات القول بأن بعض الأبرياء يجب أن يعانوا من أجل تقدم الأقليات، ولكن عند إلقاء نظرة على البيت الأبيض، يتضح أن الأوضاع تبدلت الآن، ذلك أنه بالنسبة لغالبية الأميركيين، لم تعد لمسألة العنصر أهمية الآن. ويعلم الجميع هذا الأمر. وتكشف كافة استطلاعات الرأي العام هذه الحقيقة. وربما تعترف المحكمة العليا بهذا الأمر أيضا.

وسيكون من الحكمة أن تعي الليبرالية، وهي حركة أتقلد عضوية مشروطة بها، حقيقة ما يدور. إن الإجراءات الإيجابية القوية دائما ما تترتب عليها تغييرات لحقائق قائمة على أرض الواقع على نحو يثير التشوش، مثل رفض تعيين شخص ما بوظيفة لكونه أبيض اللون. وعليه نجد أن العنصريين ليسوا من يتعرضون للعقاب، وإنما البيض بأكملهم. ولم تعد هناك حاجة تستدعي التمسك بمثل هذه الإجراءات بعد الآن. ومع ذلك، تبقى الحاجة قوية للتمسك بقوانين مكافحة التمييز العنصري وتشديدها، خاصة داخل قطاعات مثل أقسام الإطفاء، حيث كانت أعمال التمييز العنصرية مستشرية من قبل. والآن، تم إحراز قدر كاف من التقدم كي نعود للتعامل مع الأفراد كأفراد، ذلك أنه في نهاية الأمر لن تقع المعاناة على عاتق مجموعة غير محددة المعالم تدعى «البيض»، وإنما على أفراد مثل ريتشي.

من جانبه، حاول بيل كلينتون صنع المستحيل فيما يخص الإجراءات الإيجابية خلال خطاب ألقاه عام 1995 وحمل رسالة «أصلحوها، ولا تنهوها». وكان خطابا بليغا ومؤثرا، استعرض خلاله تاريخ المنطقة التي ينتمي إليها، وذكرنا جميعا بعمق وحدة وشراسة العنصرية التي كانت قائمة بالجنوب وغيره من المناطق. إلا أن حالة نيو هافين تكشف أن الإجراءات الإيجابية لم يتم إصلاحها مطلقا. ولا تزال هذه الإجراءات نبيلة في هدفها وبغيضة في أساليبها. والآن، تتوافر أمام أوباما الفرصة لاستغلال تاريخ أسرته ـ بل تاريخه هو ـ في توضيح السبب وراء ضرورة إنهاء هذه الإجراءات.

وأخيرا، ينبغي التأكيد على أن ريتشي ليس مجرد دعوى قضائية فحسب، وإنما رجل حرم من سعيه وراء تحقيق السعادة بسبب عنصره. وينبغي على المرشح الذي سيختاره أوباما لعضوية المحكمة العليا أن ينظر إلى ريتشي في عينه مباشرة ويسأله عما إذا كان تعرض لإجحاف أم لا. والواضح، أن هذا القاضي ينتظره اختبار أشبه باختبار ورقة دوار الشمس.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»