مرحبا بالإخوان المسلمين!

TT

نشرت جريدة «الأهرام» المصرية في عدد السبت الماضي الحلقة الثانية عن ما وصفته بـ «وثائق قضية التنظيم الدولي للمحظورة»، والمحظورة هنا هو اسم الاختصار لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، نسبة إلى قرار حلها وإلغاء شرعيتها منذ 1948.

أما الحل والحظر والشرعية من عدمها، فليست قضيتنا هنا، بل التوقف عند كيف يرى الإخوان المسلمون أنفسهم ودورهم وكيف تقدر «أم» الجماعات الأصولية السياسية إمكاناتها وحجم تأثيرها في الشارع العربي والإسلامي.

في التفاصيل أن مباحث أمن الدولة داهمت بعض مقرات الإخوان المالية والحركية على فترات متقاربة في المرحلة السابقة، ووضعت يدها على «أرشيف» ضخم يمثل، كما وصف الصحافيون الذين اطلعوا على هذه الأراشيف، أو بعضها، «عقل الجماعة»، وعلى أثر هذه المداهمات تم إيقاف عدد من قيادات الإخوان في مصر ومنهم بعض أعضاء مكتب الإرشاد، كما تم التحفظ على أموال بالملايين تابعة للجماعة وكذلك بعض الشركات الاستثمارية التابعة للجماعة. وكان الملاحظ هو حرص كتبة هذه الأراشيف على توثيق وتدوين حراك الجماعة وتفكيرها وخططها.

المقاربة المصرية تمت على أساس أمني مباشر: جماعة محظورة من العمل السياسي، بقانون، وهي تخالف هذا القانون، وعليه يجب معاقبتها وتطبيق القانون، لكن الجماعة ترد وعلى لسان مرشدها بأن ما يجري لها من اعتقالات وضبط أموال ووثائق والقيادات هو نوع من العمل «المقزز» كما قال مهدي عاكف، وضمنا يعني هذا الكلام عدم الاعتراف بالحظر القانوني، لكن ترجع الجماعة وتناقض نفسها حينما تقول إن الإخوان ليسوا حزبا سياسيا بل جماعة تريد تطبيق مشروع كامل، والسياسة جزء منه، وهنا نعود لمربط الفرس، لأنهم لو كانوا جماعة دعوة وإرشاد محض لما جرى لهم ما جرى من صدامات دورية مع الدولة المصرية وغيرها، لأصبحوا مثل جماعة التبليغ المعروفة بضخامة تحركاتها ومنسوبيها في العالم، لكن جوهر الصدام مع الإخوان المسلمين، منذ أيام النقراشي باشا في مصر إلى يومنا، هو أنها حزب سياسي أصولي لديه مشروع انقلابي على فكرة الدولة المدنية، والانقلاب هنا بمعنى أشمل من مجرد التحرك العسكري، مع أن الإخوان ليسوا ضد التغيير العنيف لو كان الأمر ممكنا.

بكل حال، لا النظام في مصر يريد رفع الحظر عن الجماعة، ولا الجماعة تعترف بهذا الحظر. وهي تناور، والنظام يلاحق هذه المناورات، تلك هي خلاصة القصة بين الدولة والجماعة في مصر. استفادوا من رياح التغيير التي هبت على المنطقة بعد 11 سبتمبر، ودخلوا البرلمان في انتخابات 2005 بكتلة جيدة بعنوان الانتماء للإخوان، وإن غلف هذا الانتماء بغلالة رقيقة هي غلالة «المستقلين»، لكن أبرز ساحات هذه المناورات التي أريد التوقف عندها هي الساحة الإعلامية، ففي الوثائق التي يقول تقرير «الأهرام» إنه اطلع عليها، الإشارة إلى أن مفكري الجماعة ومخططيها مشغولون بتحقيق قوة إعلامية شاملة للإخوان في العالم، وقدموا دراسات وأبحاثا مفصلة حول الجدوى السياسية والحركية من هذه المشاريع الإعلامية التي يفكر فيها الإخوان خدمة للجماعة. وأنا أقرأ التقرير المفصل الذي احتل صفحة كاملة من «الأهرام» تساءلت: لم يريد الإخوان إنشاء صحف وفضائيات خاصة بهم، وهم بالفعل حاضرون وبقوة في أكثر من فضائية وصحيفة، لهم فيها الصوت الأعلى وتفسيرهم ورؤيتهم للأحداث هي الخط العام المتبع في هذه الوسائل؟

لكن الجماعة في وثائقها لم تدعنا في هذه الحيرة البريئة، فقد جاء في التقرير «ويعود الإخوان للسؤال مرة أخرى.. هل نحن بحاجة إلى قناة فضائية باسمنا وطابعنا الخاص؟ أم أنه يكفينا الانتشار الموجود مع زيادة التركيز على تعميقه وتوسيعه؟ وأجاب الإخوان: نعم نحن في حاجة لهذه القناة». ثم يورد التقرير أربعة أسباب حددتها وثائق الجماعة لجدوى الإفصاح عن قناة أو قنوات تكون صريحة الانتماء للجماعة، أهمها في تقديري قولهم «طرح قضايانا الحساسة والمصيرية بوجهة نظرنا لا كما يراها أو يسمح بها الآخرون في ظل ضغوط محلية ودولية وتوازنات الممول».

والإشارة واضحة في هذه الاقتباسات المحدودة إلى القنوات التي ينتشر فيها الإخوان من خلال مذيعين وبرامج وتقارير وغرف أخبار تتعاطف مع طرح الجماعة وتميل إلى تفسيراتها الخاصة للأحداث حتى ولو غلفت هذا الميل بجلب أصوات أخرى «لزوم التوازن الإعلامي» حتى لو كان توازنا بين فيل ونملة! أعني أنه توازن مدعَى وممسرح.

لم تقنع الجماعة بوجود قناة شهيرة ومذيع فيها ينتمي لهم ومدير لهذه المحطة هو ابن لفكر الجماعة، فهي تخشى أن يضعف ملاك القناة بسبب «ضغوط محلية ودولية» فلا يستمر الغطاء الإعلامي لهم وارفا كما في السابق، بل تفرض لغة المصالح والتوازنات نفسها، بل وبعيدا عن هذه القناة التي تنطلق من المياه العربية، لم يقنع الإخوان بوجود قناة «الحوار» التي انطلقت من لندن منتصف 2006 وقدم فيها رموز إخوانية وحركية أخرى شهادات ومراجعات ويقوم عليها شخص إسلامي معروف، فهي تريد حضورا صريحا وليس من خلال حجاب، ربما بسبب ضغط القواعد الشابة التي لم تعد ترى للاختفاء والمداورة من معنى في ظل الانفتاح العالمي، أو بسبب أن الجماعة رأت أنها مثلما فرضت أمرا واقعا بإنجاح نوابها للبرلمان فلم لا تبني على هذه السابقة حضورا إعلاميا صريحا؟

الحق أنه إذا تأمل المرء جيدا، لا يرى أن هناك فائدة تستحق الإصرار على منع الإخوان من الحصول على قناة فضائية لهم أو جريدة ناطقة باسمهم، أولا: لأن الإنترنت لم يدع معنى لفكرة حجب الصحف أو ملاحقة ترددات القنوات على الأقمار العربية، وثانيا لأن الإخوان فعلا، كما قالوا هم، يحققون انتشارا جيدا في الإعلام العربي، وثالثا لأن حضورا صريحا وواضحا للمتلقي خير من حضور مغطى ومدلس باسم الحيادية المهنية، على الأقل يصبح من يرى أو يقرأ هذه المادة الإعلامية يعرف أنه يطلع على رؤية الإخوان بشكل مباشر غير مربك، ورابعا حتى نكتشف فعلا من هم الإخوان في عالم الإعلام العربي الذين يقدمون أنفسهم بصفتهم أهل إعلام محايد، فيريحوا ويستريحوا.

تقرير «الأهرام» أشار إلى أن الوثائق تذكر صراحة أن كوادر الجماعة موجودون في الفضائيات والإعلام العربي ويقدمون رؤية الجماعة ولكن دون الإفصاح عن «هوية دعوية» حسب وصفهم، وأن مراكز القوة الإعلامية للجماعة حاضرة على شكل «كوادر وخبرات إخوانية لدى القنوات الأخرى يمكن أن تمثل نواة للبداية».

إذن، أن أقلب (الريموت كنترول) وأرى أمامي قناة فضائية للإخوان المسلمين، تقول أنا صوتهم، يطل منها من يمثلون الجماعة، تماما مثلما تصنع قناة «المنار» التابعة لحزب الله، والتي لا يلتبس أمرها على أحد سواء كان مع الحزب الإلهي أو ضده، أن يكون الأمر كذلك خير من أن نرى إعلاميي الإخوان «مشعترين» ومبعثرين في أكثر من قناة وصحيفة، وهم يقومون بواجبهم الحزبي أو الفكري، إن لم يكونوا منتمين عضويا للحزب، وأنا، كمشاهد أو قارئ، مخدوع ومخفى عني حقيقة دورهم وطبيعة انتمائهم الفكري.

ثم إن الإخوان المسلمين لن يكونوا وحدهم من الجماعات السياسية الأصولية الذين يملكون قنوات فضائية وصحفا، ففي السنوات الأخيرة انطلقت قنوات أصولية كثيرة سواء من منطقة الخليج أو غيرها، أما على مستوى العالم فحدث ولا حرج، فما هو المانع بالنسبة للإخوان المسلمين؟

من مشكلاتنا في هذا الجزء من العالم «اللخبطة» وتداخل الأصوات بشكل تضيع معه الفكرة المتماسكة والصوت الهادئ، من أجل ذلك فلا بأس بشيء من الوضوح وفرز الأصوات، ثم يقرر بعد ذلك من يقرر إلى أي صوت يستمع وإلى أي نغم يصغي، والمسرح يتسع للجميع، والجمهور لا يفنى بل ويزيد.

[email protected]