هذه علامات الهزيمة.. وقد يكون الحل في خمس كونفيدراليات

TT

تذكّرنا مطالب الخمينيين بمحاكمة حسين موسوي بتهمة الإفساد في الأرض، بتلك الصور المقززة لجثث مشوهة للعشرات من كبار الضباط المعدومين، التي كتبت عليها عبارة «المفسدون في الأرض»، وبالمحاكم الثورية، التي كانت تتجول في المدن الإيرانية لإعدام المعارضين برافعات مركبة على العجلات. وتذّكرنا بالغدر بالقوى الليبرالية التي تصدت لنظام الشاه، ومحاربتها داخليا وخارجيا وإلصاق تهم بها.

ودوّخونا بتهديداتهم بخلايا نائمة في الخليج، أصبح الحديث عنها مضحكا، وقلنا اقلبوها عليهم فكريا ولا تخشوها، ونصحنا بالاهتمام بالجاليات الإيرانية في المنطقة، لأنها لو وجدت فرصة للحياة في إيران «خميني» ما تركتها. وبالفعل، وقف الإيرانيون في الخارج وقفة مشرفة مع شعوبهم المظلومة، خلال مسيرة الاحتجاجات الكبرى، فتَكشّف زيف النظام وانهارت هالته الدعائية.

وتباهوا كثيرا بجيوش حريتهم «العربية»، فانهارت حتى قبل أن تبدأ علامات هزيمتهم الداخلية، فتحولت الذيول عبئا إلى رأس فقد القدرة على التفكير المتوازن.

اتهموا الـ«بي بي سي» بتحريك شوارعهم، قبل أن يستدركوا ويتهموا أجهزة مخابرات غربية، بما نسج وصوّر خيالهم المضطرب تحت ضربات المحتجين من خيوط مؤامرة مزعومة. ثم وسّعوا دعاياتهم ليتهموا دولا خليجية بتدريب وإعداد عناصر ضالعة بما يجري في إيران.

ثم دفعوا فرق موت إلى أرض العراق لتهديد بريطانيا وأميركا إذا ما تعرضتا لنظامهم (الإسلامي)، فقدموا برهانا جديدا على دورهم التخريبي في العراق وعلى العمليات الإرهابية الأخيرة، سواء نُفّذت بأيدٍ دُربت في معسكرات فيلق القدس في إيران أم نفذتها مطيتهم القاعدة. فيما يقطع العراقيون شوطا في الدفاع عن أنفسهم بعيدا عن الوجود الأميركي في المدن. وتعزز الشرائح بمرور الوقت علاقات التعايش الوطني، التي صمدت قرونا في وجه مؤامرات التفرقة ولم تهزّها شعارات العقود الخمينية الثلاثة.

وتشققت قياداتهم ولم يبقَ أحد مع الفقيه من رجالات «الثورة» ومن التحق بها، إلا المطالبون بإيقاع عقوبات الإعدام برموز الثورة البيضاء. وحتى الحرس الثوري وما قيل عنه، فإن ما نُشر قُبيل الانتخابات، عن تأييد نحو خمسين قائدا سابقا فيه لحسين موسوي يؤشر إلى وجود تشقق غير مرصود.

وكانت أقلام عربية رخيصة تُتهم بالطائفية ومعاداة الشيعة، كل من يسلط الضوء على حقيقة الدور الإيراني، فتبين أن ألدّ معارضي نظام الفقيه هم من الشيعة، ابتداء من القيادات والزعامات المعروفة، إلى أوسع القواعد الجماهيرية، التي طغت أصواتها على أصوات المحتجين من الكرد والبلوش وتركمان الصحراء السنة.

ومن بين حالات فقدان الثقة بالنظام، التقارير التي تحدثت عن بدء حركة واضحة لنقل الأموال من إيران إلى ملاذات آمنة في الخارج، لأن الناس أدركوا أن ما حصل في يونيو شكّل مرحلة تحول كبيرة يمكن أن تؤدي إلى تعقيدات أمنية واقتصادية، تتراجع بسببها قيمة العملة الإيرانية وتتعرض أموالهم لمخاطر الانفلات.

وبعد ذلك التراشق الفظيع، بالكذب والغش والتزوير والفساد والقمع، والتلفيق على الغرب، والتشويش على بث الأقمار لمحاولة حجب الحقائق، من سيصدّق ما يقوله نظام الفقيه، للمجتمع الدولي عموما ووكالة الطاقة الذرية تحديدا عن برنامجه النووي الخطير، ومن تُهَم ضد معارضيه، فوفرَ فرصة لم تسنح من قبل لكل معارضي التحجر. أليست هذه من علامات الهزيمة؟ وهل ينفعهم سلاح نووي حتى لو جربوه علنا، بعد أن أسقطت عنهم شوارعهم شرعية زائفة تخندقوا خلفها؟

وفشلوا في جعل نظام ولاية الفقيه قدوة للغير خارج إيران، ولم يعد هناك شيء من فلسفة تستحق التأثر بها، إلا ما يتعلق بفشل مشروع هيمنة رجال الدين على الدولة. وما قدّمه المحتجون والقمع الذي جوبهوا به، رسما صورة واضحة لمعاناة الشعوب الإيرانية، ولمستقبل إيران. وأهم ما في الصورة أنها تعكس قوة احتمالات حصول انفلات مستقبلي كبير، مما يتطلب الحرص على منع إيران من الحصول على ترسانة نووية تتحول إلى عبء على العالم في حال الانفلات، وقد تصبح سببا للعزوف عن مساعدة طالبي الحرية، خوفا من وقوع الترسانة بين أفراد، فيزداد النظام غطرسة وغرورا.

مع ذلك، لا يزال الطريق طويلا وتقع على الغرب والعرب مسؤولية مساعدة الشعوب الإيرانية، ومعاقبة المتشددين، اقتصاديا وسياسيا.. بطرق تتوافق مع متطلبات المجتمع الدولي، بعد أن ثبت عدم جدوى الإفراط في الحوافز. وحلّ زمن الحساب، بتنشيط الموقف الإعلامي الذي أربكت حياديته وعلميته المتسلطين، والعمل على مساعدة القوى الليبرالية، ومنها عرب الأحواز، على تأسيس محطات فضائية خاصة بها، باللغات الفارسية والكردية والعربية والبلوشية ومساعدتهم في المؤسسات القانونية الدولية. وأصبح التشكيك في اتهامات الحاكمين في طهران ضدهم مشروعا. وفي النتيجة قد تكون خمس كونفيدراليات حلا صحيحا إذا ما اختارها الإيرانيون: وسط، وكرد، وعرب، وبلوش، وأذربيجانيون. ولو أنهم يتطلعون إلى ما هو أبعد.

[email protected]