الاعتدال.. يكسب!

TT

العاصمة السورية تستعد لاستقبال خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في مشهد جديد من مواقف المصالحة العربية الكاملة والشاملة التي وعد بها خادم الحرمين العاهل السعودي خلال القمة العربية الأخيرة بالكويت، والزيارة تأتي لتحقيق مجموعة مهمة من الأهداف الاستراتيجية ولعل أهمها والأوضح منها هو طي ملف الخلاف السعودي ـ السوري والذي طال وأثر على مجموعة من القضايا الأخرى ولعل أهمها الملف الفلسطيني ـ الفلسطيني وطبعا الملف اللبناني المعقد. وظهرت أولى نتاج التقارب السعودي السوري من خلال النتائج التي آلت إليها الانتخابات البرلمانية الأخيرة في لبنان وكيف مضت التجربة بسلام ونجاح ودون مشاكل حقيقية كما كانت عليه في السابق. العالم بأسره يتجه نحو مسار الاعتدال والتوازن بعد أن شهد أعواما من القلق والتوتر والاضطراب المتواصل المحموم. سواء بسبب معسكرات الإرهاب وخطابها الملغوم ونهجها الدموي أو بسبب إدارات القلق والتطرف التي تحكم بأجندات وايدولوجيات موتورة لم تجلب على العالم سوى القطيعة والفتن والأمثلة على ذلك حية، حقبة بوش الابن أو إسرائيل أو غيرها.

عودة سورية إلى الصف العربي الموحد مطلب مهم، والأدلة التاريخية التي تبرز أهمية الوجود السوري مع سائر الدول العربية واتفاقها معهم على نفس اللغة والخطاب نتائجه إيجابية للغاية. بؤر التشنج والتوتر والقلق لا تزال موجودة في العالم العربي، ولكن لغة الاعتدال بات لها موقع وموقع منافس ولم تعد الخطب القومجية ولا الوصايا الدينية التي تدغدغ مشاعر الناس وتزف الناس إلى المصائر المجهولة بلا داع ولا بصيرة ولا حكمة كافية. الاعتدال لغة جديدة توازن بين تقرير المصير وتنمية الشعوب توازن بين الحق والحياة وتوازن بين التواصل مع العالم وإيجاد مكانة للشعوب فيه. الاعتدال لغة مطلوبة للتواصل مع الذات قبل الآخرين، والذي يفشل في السلام مع نفسه هو حتما سيفشل في الحوار مع الآخر. لم يعد أبدا مقبولا لغة الزمان القديم وشعاراته. فهتافات بالروح والدم نفديك يا فلان بات من المطلوب أن يتم استبدالها «بالعلم والعمل نرقيك يا بلاد» وهذا كله مدخله الاعتدال. لسنوات طويلة استطاع أباطرة التطرف أن يصوروا زيفا وجهلا بأن الاعتدال هو خنوع واستسلام وضعف وعجز، وواقع الأمر أن الاعتدال هو منتهى الواقعية وقمة اليقين بالحال وحكمة التعاطي مع الممكن وتوظيف فعال للقدرات دون مبالغة ولا الكبرياء ولا الجهل، ولعل حماقتي نكسة 1967 وأم المعارك في 1990 لا تزالان راسختان في الذاكرة الحية لتذكرنا بأن الحماسة والعنجهية والكبرياء ما كانت أبدا جسورا ولا وسائل للنصر ولا العزة ولا الكرامة. ليس من الصعب عموما «تسويق» الاعتدال وإقناع الناس به لأنه من أهم أنواع SOFT POWER أو كما يقال عنه بالعربية القوى الناعمة. فالعوائد التي تجنى من الاعتدال من فرص تحسين التعلم وتطوير الاقتصاد وإصلاح القوانين ومعالجة البنى التحتية والنهضة بالتنمية عموما معناه تلقائيا دول وشعوب أقوى قادرة على مواجهة كل التحديات مهما كبرت بثقة وعقلانية، ولعمري لا يوجد انجاز أهم من ذلك. ببساطة أثبتت الأيام أن الاعتدال.. يكسب!

[email protected]