العراق وأميركا.. الصغير والكبير

TT

بعد زيارة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن لبغداد في مهمة تتعلق بملف المصالحة العراقية الداخلية، تسابق كثير من الساسة العراقيين في تسجيل تصريحات علنية ترفض التدخل الأميركي في العراق.

لكن بايدن يقول إن رسالة وصلته من مسؤولين عراقيين يتخوفون من أن بغداد لم تعد تمثل أولوية لأوباما، وإن أحد المسؤولين العراقيين قال له: «متخوفون من أن نكون قد وضعنا على الرف الأسفل، فقلت: لا، لم يحدث ذلك». وأضاف بايدن: «إنهم قلقون جدا ويريدون أن يكون بيننا اتفاق استراتيجي لا علاقة له بالقضايا العسكرية». ونشرت «نيويورك تايمز» تقريرا من بغداد يقول: «عبر أكثر من 12 رجلا من صناع السياسة العراقية عن إحساسهم بأن الاهتمام الأميركي بالعراق قد تحول إلى اهتمام بأفغانستان وباكستان».

فماذا نصدق، ما يقال علنا ببغداد، أم ما يقال خلف الأبواب المغلقة؟

يبدو أننا أمام ثلاثة احتمالات، فإما أن بعض الساسة العراقيين يريدون تسجيل بطولة أمام العراقيين، ويقولون شيئا مختلفا للأميركيين، أو أنهم يهاجمون أميركا علنا خشية من طرف آخر يضغط من أجل عدم إتمام المصالحة، بل ويحاسب كل من يبدو صديقا لواشنطن في بغداد، أو أن البعض بالعراق لا يريد المصالحة، لدوافع أخرى، لكنه يريد الإبقاء على العلاقة مع الأميركيين.

فلا يمكن أن تبنى العلاقة الأميركية ـ العراقية على قصيدة نزار قباني «أحبيني بلا عقد»، فالسياسة لغة مصالح، ومن المستحيل أن تكون مصلحة أميركا مع عراق مهدد بحروب أهلية وطائفية. وهذا ما يجب أن يعيه العراقيون، خصوصا وقد قرأنا تصريحات تنطوي على تذاكٍ، وتهرب، وأبسط مثال ما قاله جلال الدين الصغير النائب عن الائتلاف الموحد، والقيادي بالمجلس الأعلى، تعليقا على تصريحات بايدن، حيث يقول: «لا أدري ماذا يعني بالمصالحة الوطنية»! فمن الواضح أن الصغير يجهل أمرا كبيرا، وهو أن المصالحة ركيزة أساسية لاستقرار العراق وتماسكه، فلا أحد يطالب بتعيين عزت إبراهيم وزيرا للخارجية، بل المطلوب أن لا يُظلم عراقيون أبرياء بسبب دوافع ضيقة.

وهنا لا بد أن نذكّر بما قلناه سابقا، واعتقد البعض أنه مبالغة، حيث قلنا إن مهمة بايدن لن تكون سهلة، خصوصا أن هناك نية إيرانية لتشكيل تحالف ثلاثي بين الدعوة والصدريين والمجلس الأعلى الإسلامي. وكنت قد كتبت نقلا عن مسؤول عراقي كبير بأن مايسترو ذلك التحالف الثلاثي بالعراق هو قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، ولذا فمن من المتوقع أن تكون هناك مقاومة كبيرة لفكرة المصالحة بالعراق، خصوصا قبل الانتخابات القادمة.

ولذا نرى رفضا عراقيا معلنا للتدخل الأميركي في بغداد من أجل إنجاز المصالحة، في الوقت الذي يقال فيه بالخفاء للأميركيين: «لا تضعونا على الرف». مشكلة البعض في العراق أنهم لا يجيدون قراءة التاريخ، وما يدور حولهم، كما أنهم لا يجيدون قراءة مصلحة بلادهم الحقيقية.

[email protected]