خواطر ما بعد إيران: لو فكر الديناصور

TT

السياسة علم لا يحتمل التعقيد كثيرا. النظريات فيه محدودة وتتكرر من عصر إلى عصر. وفي جميع أشكال الأنظمة ومراحل التاريخ، ظلت كتابات نيكولو ميكيافيللي معتمَدة من قِبل مختلف الآيديولوجيات، مهما تناقضت.

أتخيل أن أول صورة مرت في ذهن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد يوم شاهد جماهير مير موسوي في «ساحة الثورة» هي أن خصومه جاؤوا يرثونه فيها. وثاني ما خطر له، أن هذا الاحتكار المقدس، الجماهير، قد انكسر. والمزهريات الكبرى مثل الصغيرة، عندما تنكسر يظل من الممكن ترميمها، لكن آثار الترميم لن تُمحى. هذا يسمى في علم الصناعة والإنتاج «الفئة الثانية»، لأن النوع الأول يفترض أن يكون كاملا خاليا من أي شائبة.

ألقى جورج كينان، أحد أرقى كتّاب السياسة الأميركيين وأحد أكثرهم خبرة واحتراما، محاضرة في العام 1950 يقارن فيها بين الولايات المتحدة والديناصور. قال إن الديمقراطية الأميركية تشبه ديناصورا يربض مرتاحا مسرورا في مستنقعه غير عابئ، أو عارف، بالمخاطر من حوله. لكن ما إن يفاجئه خصم غير متوقع، حتى ينفجر في غضب عنيف، لا يؤدي فقط إلى تدمير الخصم، بل إلى تدمير كل ما حوله أيضا.. «وإنك لتتساءل، ألم يكن من الحكمة أن ينتبه إلى ما يجري في الوقت المناسب؟ ألم يكن من الأفضل له أن يعالج المسائل الطارئة بدل الانتقال من التجاهل الكلي إلى الغضب الكلي؟».

أصاب التوتاليتارية الإيرانية ما أصاب «الديمقراطية» الأميركية. لقد بلغ بها الغرور أنها ألغت جميع الاحتمالات المعاكسة. ولا يشك أحد بأن نجاد كان سيفوز في الاقتراع، لكن الذي خرّب المسألة هو الفوز بمثل هذه النتائج المنتفحة والتي لا ضرورة لها. فقد كان يمكن أن يبدو الرجل مقنعا أكثر، بمقدار أقل من الغرور، وأكبر من التواضع. لكن خمول الديناصورات يصيب الجميع. وها هي الجمهورية الأكثر حذرا والأمضى شكوكا في كل شيء، تنسى القاعدة الذهبية في الأنظمة المطلقة، وهي أن الشك يجب أن يتركز على نوايا الأقربين، أما الخصوم، فهم لا يكفون عن إعلان نواياهم كل يوم.

كذلك تجاهلت الجمهورية أن جميع الجماهير تصاب بالملل. ليس فقط تلك التي تغير حكوماتها ورؤساءها في ظل ما يعرف بالديمقراطية، بل أيضا تلك العائشة في مجتمعات افتراضية يوتوبية، تستفيق ذات يوم وإذا بها تحب هي أيضا الكعك مع الحليب.. أو مع الزيت.

إلى اللقاء.