أحمد رجب.. فارس الزمن الجميل

TT

جمعتني مائدة عشاء منذ أيام قليلة مع صديقي العزيز الكاتب الكبير أحمد رجب، فوجدته شاردا منعزلا بفكره عما يحدث حوله وكأنه في عالم آخر، وأعتقد أنه ربما يكون في حالة تفكير عميق فى «½ كلمة» جديدة يمتعنا بها كل صباح عندما نطالع جريدة الأخبار. لم أشأ أن أقطع عليه تفكيره، وانتظرت قليلا، ثم همست له في أذنه متسائلا عن حاله؟ وتلقيت أغرب إجابة يمكن أن أتوقعها، حيث قال لي إنه ظل يبكى لأكثر من ساعة اليوم، وسألته مندهشا عن السبب، فقال لي: «كده من غير سبب». سبحان الله؛ الكاتب الكبير الذي يكتب يوميا «½ كلمة» يقرأها كل مصري كل صباح ليبدأ يومه بضحكة على حالنا وواقعنا، وفى بعض الأحيان تكون هذه الضحكة والابتسامة هي بديل عن البكاء على حالنا وعلى ما آلت إليه أمور كثيرة في دنيانا والمفارقات المريرة التي لا يمكن لكاتب أن يستخلص منها جانب الفكاهة سوى أحمد رجب، الذي أرى أنه يكتب ويعبر عما يريد كل منا كتابته، ولذلك يستحق منا أن نمنحه وسام «لسان الغلابة» بكل اقتدار.

كانت أول مقابلة بيني وبين أحمد رجب في حفل زفاف منذ أكثر من خمسة عشر عاما، وبمجرد تبادل كلمات قليلة معه تشعر كما لو كنت تعرفه منذ زمن بعيد، وأعتبر نفسي محظوظا بصداقة هذا العملاق البسيط جدا، وهذه البساطة هي مصدر قوته. وعلى الرغم من تكريس وقته كله في القراءة والكتابة، فإنك تجده معك في كل وقت تحتاج فيه إلى صديق ليقف بجانبك. والمعروف عن أحمد رجب أنه زبون دائم ومتواجد بصفة مستمرة بمكتب النائب العام للتحقيق معه في الشكاوى التي تقدمت بها ضده شخصيات هاجمها أحمد رجب بقلمه في «½ كلمة» التي أعتبرها أصعب أنواع الكتابات على الإطلاق، وهو أن تختصر ما يمكن أن تكتبه في كتاب في بضع كلمات في حجم «½ كلمة» أحمد رجب. والطريف أنني أحيانا ما أجده يحدثني هاتفيا ليقول لي إنه لا يزال يبحث عن ربع كلمة ليكمل بها «½ كلمة» الغد.

أصبحت شخصيات أحمد رجب التي أبدعها مع ريشة العملاق مصطفى حسين جزءا من حياتنا اليومية، بل ومن واقع مجتمعنا وما يفرزه من شخصيات أمثال «عبده مشتاق»، الذي يحلم بكرسي الوزارة عند سماع أى خبر عن تغيير وزاري في الطريق، و«فلاح كفر الهنادوة» الذي عبر عن شخصية المصري البسيط الذي يبوح بمشاكله بكل صراحة ومن دون تجميل وبرضاء جميل إلى رئيس الوزراء أو رئيس الجمهورية، وشخصية «قاسم السمّاوي» هذا الحاسد بعبارته الشهيرة «جتنا نيلة في حظنا الهباب». أما شخصية «عزيز بيه الأليط» فهو حكاية مصرية طريفة لا تقل وزنا عن شخصية «كمبورة» هذا الانتهازي الذي كون ثروته مستغلا سياسات الانفتاح غير المنظم في عصره. وفي عيد الحب تجد أحمد رجب يمسك سماعة الهاتف ليقول لكل من يعرفهم، خاصة هؤلاء الذين اختلفوا معه: «كل سنة وأنت طيب..»، وقد تعلمت منه شيئا مهما جدا، وهو ألا تهاجم فارسا عندما يسقط عن جواده.. وقد هاجم شخصيات مهمة جدا، وعندما تترك المنصب لا تجد كلمة واحدة يكتبها ضدها.. ومن لا يعرفه يتصور أنه «عزيز بيه الأليط»، لكنه شخص متواضع جدا وبسيط، وله قلب طفل.. ولن تجد شخصية مصرية يجتمع الناس على حبها مثل شخصية أحمد رجب.. فارس الزمن الجميل..

www.zahihawass.com