مايكل جاكسون: جدل ما بعد الموت

TT

ما هي مساحة التغطية الإعلامية التي يجب أن يحصل عليها خبر وفاة مغني البوب الأميركي مايكل جاكسون وضمنا سيرته وتفاصيل جنازته؟

الإعلام الأميركي والغربي المعني بالدرجة الأولى عن هذا التساؤل حسم خياراته لمصلحة جاكسون من دون إلغاء مساحة من الجدل حول حدود هذه التغطية وطبيعتها، لكن السؤال نفسه طرح إشكالية فعلية في الإعلام العربي الذي أثقلت عليه مواقف مسبقة من قضايا لم يألف التعامل معها على هذه الدرجة من الإبراز.

ناقشت إدارات تحرير فضائيات إخبارية وصحف عربية في اجتماعاتها الداخلية اليومية مسألة جاكسون والمدى الذي ينبغي أن تناله سيرة مايكل جاكسون من الاهتمام والمعالجة وصولا إلى لحظة الذروة التي شكلتها جنازته والتي قيل أن أكثر من ملياري شخص حول العالم قد شاهدها..

لم يغب الخبر عربيا بل ربما برز في قنوات وتراجع في أخرى، لكن البعض من هذا الإعلام عاش ارتباكا ازاء حدث جاكسون فقلل من أهمية خبر الوفاة فعاد وأبرز ردود الفعل في الأيام التي أعقبته لتصل ذروة التغطية إلى يوم الجنازة. حدث كل ذلك وسط إشكالات «أخلاقية» بالدرجة الأولى لمواقف مسبقة من هذه الشخصية واعتبارات ثابتة تتكرر في مناسبات متفاوتة حول ضرورة تصدر أخبار الأزمات والاضطرابات الأمنية والسياسية الحافلة في منطقتنا.

ليس الطرح دعوة إلى إغفال الهام والبديهي في قضايانا لكنه رغبة في عدم إنكار انجذابات وشغف بما هو أبعد من الخبر السياسي الأمني اليوم خصوصا حين يتعلق بما يناقض مسلمات ومواقف مسبقة طبعت ولا تزال خطاباتنا الاجتماعية والثقافية.

لا شك أن تجربة جاكسون تستأهل التأمل.

إنه أميركي أسود حمل موهبة منذ طفولته وعاش أزمات شكل الأب القاسي ربما بدايتها وامتدت إلى إشكالية اللون الذي حاصر مغني البوب فقاومه بعمليات وعقاقير ما أثار هجمة ولغطا حوله وصولا إلى تهم التحرش الجنسي بأطفال وانتهاء بموته الغامض. سيرة ترافقت مع نجاح تاريخي في موسيقى وغناء البوب لم يحرزه أحد قبله لكنها ترافقت مع عثرات وأزمات خاصة بدا أنها أودت بواحد من أكثر الشخصيات الفنية شهرة في العالم.

إنها عوامل يقتات الإعلام الأميركي والغربي عليها واللعب على دراميتها.

التردد الذي شهدته غرف الأخبار في وسائل الإعلام العربي مصدره ذلك التناقض بين ما يفترضه هذا الإعلام قيما وبين قوة خبر الوفاة وشيوع صورة الجنازة. مايكل جاكسون لا يمكن الحكم عليه بقيمة واحدة وهذا مصدر جاذبيته. ألا تستحق حقائق كشفها تشريح جثته أن تنقل لمستقبل لطالما كان مايكل جاكسون إحدى أيقوناته؟ مرة أخرى من المفترض أن يسأل الإعلام العربي أو بعضه على الأقل نفسه عن تفوق مايكل جاكسون على حكمنا الأخلاقي المبرم بحقه عبر تأمله بالأرقام التي حققتها مبيعات اسطواناته بعد وفاته؟ ألا نبدو متأخرين ومتخلفين حيال انتصار مايكل جاكسون على أحكامنا المسبقة حتى بعد وفاته؟

diana@ asharqalawsat.com

* مقال اسبوعي يتابع قضايا الإعلام