النزعة الانتحارية لإسرائيل

TT

في كتابي (The Genisis of Zionism) الذي امتنعت دور النشر البريطانية عن نشره ثم أقدمت مؤسسة «الكيالي» على نشر ترجمته بعنوان «تكوين الصهيونية»، كرست التسعين صفحة الأولى لفكرة النزعة الانتحارية المرتبطة بالفكرة الصهيونية، التي امتدت جذورها إلى معركة حجر المعونة في الألف الأول قبل الميلاد.

رغم الإطار الفلسفي والسايكولوجي الذي جاءت به الفكرة واستمدت مادتها من الفرويدية، فإن لها بعدها السياسي العملي المتمثل في هذا العناد الإسرائيلي في رفض أي إمكانية للتفاهم والسلام مع العرب. برزت هذه الإمكانية في أحسن صورها وواقعيتها بعد نكسة 1967. بددت الهزيمة المريعة حلم العرب بالجولة الثانية، وإزالة إسرائيل من الخارطة. أصبحوا مستعدين لقبول الأمر الواقع. وظهر بين زعماء إسرائيل، وعلى رأسهم إيبا إبان، من دعا إلى اغتنام الفرصة بإعادة الأرض المحتلة إلى أهلها لقاء اعتراف بالدولة اليهودية والتعايش السلمي معها.

لم تغتنم إسرائيل الفرصة، ولم يتصرف العرب بما يشجعها على ذلك. سارت الأمور من سيئ إلى أسوأ. لم ضيعت تل أبيب هذه الفرصة؟ إنها في رأيي النزعة الانتحارية. ما طرحته فلسفيا في «تكوين الصهيونية» بدأ يأخذ شكله على مستوى الواقع. يردد الآن كثير من الإسرائيليين واليهود، وعلى رأسهم المفكر والكاتب إفنيري، بأن الدولة اليهودية سائرة نحو الانتحار.

أصدر مؤخرا في مايو (أيار) الماضي الكاتبان اليهوديان كتابا في أمريكا بعنوان «موت إسرائيل». علقت عليه كارولاين غليك، مساعدة محرر «الجروشلم بوست» في إسرائيل بقولها إن الـ«سي آي إيه» بعثت رئيسها ليون بانيتا إلى تل أبيب. اتضح من الزيارة أن أوباما لا ينوي قط ضرب إيران لمنعها من تطوير الأسلحة النووية، وأنه سلم بواقع امتلاكها هذه الأسلحة عن قريب.

تقول الكاتبة إن ذلك يعني تعريض إسرائيل لمحرقة جديدة. لن تقدم طهران على ضربها مباشرة، بل ستسلم هذا السلاح للفلسطينيين وتتخفى وراءهم.

استسلام أوباما للواقع الإيراني جاء بعد ما ذهب إليه خبراء آخرون بأن الأسلحة النووية ستكون قريبا بيد نحو 27 دولة. ما فائدة محاولة منع إيران؟ من الواضح أن بعض المنظمات الفلسطينية ستتمكن من الحصول على أسلحة نووية تكتيكية من إيران أو غير إيران، تضرب بها البلدات الإسرائيلية. إنها مسألة وقت. ولكن موت إسرائيل ربما لن يتطلب هذه النهاية المأساوية. تقول إحدى الدراسات إن 24% من الإسرائيليين قرروا الرحيل منها حالما يسمعون أن إيران حصلت على القنبلة النووية. مشكلة إسرائيل أن فكرة الردع بالتوازن النووي لا تعني الكثير عند المسلمين المؤمنين بالاستشهاد والجنة التي وراءه، وذلك على عكس الإسرائيليين الذين يرون الجنة ماثلة في نيويورك وكاليفورنيا. من منهم سيفضل الاحتراق بقنبلة إيرانية بدلا من التشطح على بلاجات ميامي؟

الشائع عن اليهود تميزهم بالذكاء وبُعد النظر. لا أدري كيف وقعوا في هذا المطب الذي ألقتهم فيه الحركة الصهيونية. كيف فضلوا العيش في هذا العالم التعيس المعادي في مستنقعات الشرق الأوسط، بدلا من خيرات العالم الجديد والعيش الرغيد في بروكلين والرفيرا؟ ربما لأن الغربيين لم يعطوهم هذا الخيار. ربما لأن الصهيونية المستعرة بالنزعة الانتحارية منعت عنهم ذلك الخيار.

www.kishtainiat.blogspot.com