هل يسعى نتنياهو لانقلاب في الضفة الغـربية؟

TT

لا ينتظر الفلسطينيون على أحر من الجمر يوم الخامس والعشرين من يوليو (تموز) الحالي، حيث تقرَّر أن تُستأنف المفاوضات الفلسطينية ـ الفلسطينية التي كانت شهدت ست جولات بدون أي نتيجة وبدون أي تقدم بالنسبة للقضايا المـُختلف عليها، وهُمْ سئموا هذه المفاوضات ويئسوا من إمكانية إعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الانقلاب الذي قامت به «حماس» في غزة قبل نحو عامين والذي جاء كهدية هبطت على الإسرائيليين من السماء ليتهربوا من استحقاقات العملية السلمية.

هناك ضغط من الأميركيين ومن بعض الدول العربية على الفلسطينيين كي ينهوا حالة وجود دولة في غزة ووجود دولة في الضفة الغربية وكي يستعيدوا وحدتهم المفقودة ليصبح بإمكان الرئيس الأميركي باراك أوباما إلزام هذه الحكومة الإسرائيلية التي على رأسها بنيامين نتنياهو لكي إمـّا أن تصلح أمورها وتتخلص من أفيغدور ليبرمان و«شاس» وباقي قوى ورموز اليمين المتطرف لتدخل إلى عملية السلام من أوسع الأبواب، وإلاَّ فإنه سيحل برئيسها ما حل به في عام 1999 حيث أسقط إسقاطاً متعمداً وحلَّ محله رئيس حزب العمل إيهود باراك على رأس حكومة عمالية بالتحالف مع بعض الأحزاب التي تعتبر معتدلة ويسارية.

كانت إدارة الرئيس الأسبق بيل كلنتون هي التي أشرفت على تنفيذ خطة إسقاط حكومة بنيامين نتنياهو السابقة بعد أن تحولت إلى عقبة كأداء في طريق عملية السلام وكان «حزب العمال» هو عماد تلك الخطة التي شاركت فيها أحزاب اليسار الإسرائيلي وشارك فيها الفلسطينيون مشاركة فاعلة من خلال تواجدهم في خنادق الجبهة الداخلية الإسرائيلية.

المـُهمْ أن معلومات المتابعين للمفاوضات المتعثرة بين حركتي «فتح» و«حماس» تشير إلى أنه لا أمل إطلاقاً بأن تحقق جولة الخامس والعشرين من هذا الشهر ما عجزت عن تحقيقه ست الجولات السابقة، وأن أقصى ما يمكن أن يتحقق هو أن يتم الاتفاق، تحت ضغط مصر التي بذلت وتبذل جهوداً فعلية ومضنية كي تسحب كل الحجج التي يتذرع بها بنيامين نتنياهو للتهرب والتملص من عملية السلام وكي تدعِّم الجهود التي يقوم بها الرئيس أوباما في هذا المجال، على مجرد بعض الخطوط العامة التي لن تصمد حتماً إلى أن يجف الحبر الذي ستكتب به.

ولذلك ولأن من الواضح بل والمؤكد أن جولة مفاوضات الخامس العشرين من هذا الشهر لن تكون أفضل من ست الجولات السابقة حتى وإن هي حققت الحدود الدنيا جدّاً مما قد يرضي مصر، وهناك من يرى أن سبب كل هذه العقد والتعقيدات أن «حماس» ملتزمة التزاماً صارماً بالإبقاء على هذا الانقسام الفلسطيني الذي لم يكن عفوياً وبعيداً عن العوامل الخارجية منذ البداية إلى أن تتضح الأمور أولاً على المسار السوري في ضوء هذه المحاولات المبذولة من قبل بعض العرب للمزيد من التقريب بين دمشق وواشنطن، وثانياً على صعيد الجبهة الداخلية الإيرانية المتفجرة.

لكن بعض الأوساط الفلسطينية والعربية أيضاً ترفض هذا التقدير رفضاً مطلقاً وهي تراودها مخاوف من أن يكون هناك شيء مخفيٌّ بين حركة «حماس» وبين هذه الحكومة الإسرائيلية، إنْ ليس بصورة مباشرة فبصورة غير مباشرة، وأن يكون هناك لقاء مصالح يشكل اقتراح «الهدنة الطويلة» الذي كانت طرحته ولا تزال تطرحه حركة المقاومة الإسلامية العنصر الرئيسي فيه.

بكل صراحة، وهذه وجهة نظر تحتاج إلى المزيد مـن التدقيق، فإن هناك من لديه اعتقاد يصل إلى حدود القناعة بأن هناك خيطاً خفياً بين كل هذه العراقيل التي تضعها «حماس» في طريق استعادة الوحدة الفلسطينية وبين هذه المواقف المتشددة جدّاً التي تتخذها حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية والمتطرفة إزاء توجهات الرئيس باراك أوباما لإنهاء الصراع في الشرق الأوسط وحل قضية فلسطين على أساس خيار الدولتين أي دولة مستقلة للفلسطينيين إلى جانب الدولة الإسرائيلية.

يقول أصحاب هذا الرأي، الذي يحتاج إلى المزيد من التدقيق والمراجعة، إنه غير مستبعد أن يكون بنيامين نتنياهو، في مجال محاولاته للتملص من استحقاقات عملية السلام وفقاً لتوجهات هذه الإدارة الأميركية، قد أصبح مقتنعاً بـ«الهدنة» التي تقترحها حركة «حماس» وأنه بات معنياً في ضوء هذه القناعة بالتخلص من السلطة الوطنية في الضفة الغربية بالطريقة نفسها التي جرى التخلص منها في قطاع غزة. ويشير أصحاب هذا الرأي في هذا المجال إلى تطورين ميدانيين على جانب كبير من الخطورة والأهمية، أولهما أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية قد اكتشفت في الأسابيع الأخيرة أن حركة «حماس» من خلال خلاياها السرية تقوم بتخزين ملابس كالملابس المستخدمة من قبل جهاز حراسات محمود عباس (أبو مازن) وملابس كملابس شرطة السلطة الوطنية في كل مدن وقرى الضفة الغربية، وثانيهما هو قيام هذه الحركة برصد تحركات وتنقلات الرئيس الفلسطيني بين منزله ومبنى المقاطعة، حيث مقر رئاسته في رام الله في إجراء فـُهم، والتحقيقات جارية على قدم وساق في هذا الشأن، على أنه إعداد لاغتيال هذا المسؤول الفلسطيني لإحداث فراغ في موقع الرئاسة الفلسطينية سيملأه وفقاً لدستور السلطة الوطنية رئيس المجلس التشريعي عبد العزيز الدويك الذي خرج مؤخراً من السجون الإسرائيلية وفق صفقة مبهمة يدور حولها لغط كثير.

والمعروف أن الدويك كان أدلى بتصريحات بعد إطلاق سراحه مباشرة ليست بعيدة في مضمونها عن كل هذه الهواجس والتصورات والتقديرات جدد فيها حث الإسرائيليين على قبول الهدنة التي كانت طرحتها والتي لا تزال تطرحها «حماس» وهو قال بالحرف الواحد: «إن أي هدنة يجب أن تستمر لأطول فترة ممكنة كي تسمح بحدوث مصالحة.. ولتكن إسرائيل ذكية بما يكفي لتمديد هذا النوع من الهدنة إلى أقصى ما تستطيع وذلك ليكون هناك جيل جديد ينحِّي جانباً كل أنواع الخلاف ويسعى للمصالحة.. لقد نصَحْت الإسرائيليين مراراً وقلت لهم إن جيلاً جديداً سينشأ بدلاً من هؤلاء الشباب الذين يحملون الأحزمة الناسفة على أوساطهم»!.

وهنا فإنه قد يكون من المفيد التذكير بأن هذه «الهدنة»، التي يجري الحديث عنها كان قد أوردها المستشار السياسي لإسماعيل هنية الدكتور أحمد يوسف في وثيقته الشهيرة التي كان قد أعلنها بعد مفاوضات مع مبعوثين من النرويج وسويسرا وبريطانيا، تتضمن البنود التالية:

أولاً: انسحاب إسرائيل من الضفة الغربية إلى خط مؤقت متفق عليه.

ثانياً: هدنة لمدة خمس سنوات أي لن يتم شن أية هجمات فلسطينية داخل إسرائيل ولا على الإسرائيليين أينما وجدوا، ولن يتم شن هجمات إسرائيلية على الأراضي الفلسطينية ولا على الفلسطينيين أينما وجدوا.

ثالثاً: لن تتخذ إسرائيل أية خطوات من شأنها تغيير الأمر الواقع السائد في المناطق التي لم تكن خاضعة للسيطرة الإسرائيلية بتاريخ 4 يونيو (حزيران) 1967 ولن يتم بناء أية مساكن جديدة في المستوطنات ولن يتم شق طرق جديدة أو تغيير على المناطق الخضراء.

رابعاً: دخول الفلسطينيين بحرية إلى القدس الشرقية وكذلك تنقلهم في بقية أراضي الضفة الغربية المحتلة.

خامساً: حرية السفر من غزة إلى الضفة الغربية (وبالعكس) وكذلك إلى الأردن ومصر.

سادساً: أي خرق للنقاط (1-5) يعتبر خرقاً للهدنة.

وحقيقة إذا عرفنا أن هذا الاقتراح «الوثيقة» يوفر للإسرائيليين هدنة مجانية، قد يتم تمديدها لعشرة أعوام أو لعشرين عاماً أو أكثر مقابل «انسحاب لخطوط متفق عليها» وإقامة دولة بحدود مؤقتة لا تشمل القدس مع إسقاط مرجعية حق العودة التي هي القرار الدولي رقم 194 واستبداله باصطلاح «صيانة مبدأ حق العودة» فإنه من غير المستبعد أن يهرب بنيامين نتنياهو من استحقاقات عملية السلام ومن الضغط الأميركي إلى القبول بهذه الوثيقة وإلى غض النظر على الأقل عن قيام «حماس» بانقلاب في الضفة الغربية على غرار الانقلاب الذي قامت به قبل نحو عامين وأثبتت من خلاله وما ترتب عليه أنه بالإمكان المراهنة عليها للوفاء بالالتزامات التي ترى أن السلطة الوطنية قد عجزت عن الوفاء بها وبخاصة الالتزامات المتعلقة بالجوانب الأمنية.