مهزلة «بيروت 39» يجب أن تتوقف

TT

وزارة الثقافة اللبنانية في ورطة، ومؤسسة «هاي فستيفل» الإنجليزية الشهيرة و«العريقة»، في ورطة أكبر بكثير، وإن تظاهرت بغير ذلك. وهاتان الجهتان المسؤولتان بشكل مباشر عن ما يعرف بمشروع «بيروت 39» مطلوب منهما أن يقدما توضيحاً شفافاً وصريحاً، عن الألاعيب التي تجري في كواليس هذه المسابقة (تكلفتها 400 ألف دولار) وأكدها ثلاثة من أدبائنا المعروفين، كانوا شهود عيان، ومع ذلك تم تجاهلهم لا بل وتكذيبهم. ونحن أمام خيار من اثنين، فإما أن الأدباء الثلاثة، علاء الأسواني، إلياس خوري وهدى بركات، وهم من كبار كتابنا الذين نعتز بهم، ومعهم الأكاديمي ماهر جرار، كاذبون ومفترون وتجدر محاسبتهم ومواجهتهم لفضح كذبهم، أو أن مؤسسة «هاي فستيفل» تحيك لعبة نتنة يجب أن تتوقف حالاً ويكشف عن خيوطها، كي لا نبقى كالمغفلين في حفل حفنة من المكرمين المزورين.

ولمن لا يعرف عما نتكلم، فإن وزارة الثقافة اللبنانية أوكلت إلى «هاي فستيفل» الإنجليزية المعروفة عالمياً بتنظيم الاحتفالات الثقافية، تنظيم مشروع اسمه «بيروت 39»، هدفه اختيار 39 كاتباً عربياً شاباً، دون سن الأربعين، ومن ثم الترويج لهم من خلال الاحتفاء بهم وترجمتهم، ونشر أعمالهم على نطاق واسع. وكان من المفترض أن يتم اختيار هؤلاء، وفقاً لمعايير فنية وأدبية، من قبل لجنة تدرس كل الترشيحات التي تصلها. المفاجأة الأولى حصلت بعد اجتماع لجنة المسابقة في أبو ظبي شهر مارس الماضي مع الجهة الإنجليزية المنظمة، حيث انسحب رئيس اللجنة إلياس خوري وانسحبت معه الروائية هدى بركات، والأكاديمي ماهر جرّار، ولم يبق من اللجنة إلا الزميل عبده وازن. وتم الإعلان دون تفسير أو توضيح عن لجنة جديدة برئاسة علاء الأسواني ومشاركة علوية صبح وسيف الرحبي وعبده وازن. وأما المفاجأة الثانية فعندما بدأت تتردد أسماء، قبل أكثر من شهر، قيل إنها لفائزين في المسابقة. ولم يخف بعض هؤلاء سعادتهم لأنهم بلّغوا بفوزهم. وثمة من اتصل بالأصدقاء وبدأ يحزم الحقائب ليأتي إلى بيروت في سبتمبر المقبل للاحتفال الكبير، بعد أن جاءه الخبر اليقين. ورغم علامات الاستفهام حول مسابقة تتسرب أسماء الرابحين فيها، حتى قبل إغلاق باب الترشيحات، إلا أن سمعة المؤسسة الإنجليزية جعلتها محصنة من النقد على خلفية أن «كل فرنجي برنجي»، ويصعب الشك فيه. وبقيت الانتقادات والتساؤلات تسري همساً إلى أن فجّر الروائي علاء الأسواني قنبلته وأعلن استقالته من رئاسة اللجنة الشهر الماضي، معترفاً بأن ثمة أسماء جاهزة، كانت معدة سلفاً للفوز، ومعترضاً لأن المسابقة لم يعلن عنها بالقدر الكافي لتتيح فرصاً متكافئة. ولم يخف الأسواني «أن المنظمين كانوا يُعلمون معارفهم في البلاد العربية بالمسابقة، من دون الإعلان عنها بشكل مفتوح لجميع الأدباء الشباب» وقال: «إنهم اختاروا من مصر على سبيل المثال 10 أشخاص فقط، منهم 7 صحافيين في الأقسام الثقافية بالجرائد، بينما غابت دول عربية عن التمثيل». وكرّت سبحة المفاجآت خاصة أن الروائية هدى بركات كانت قد قالت قبل ذلك إن انسحابها من اللجنة أتى بسبب عدم تكافؤ الفرص أمام المرشحين، مما يضفي المزيد من المصداقية على كلام الأسواني. والمدهش في كل هذا، أن جماعة «هاي فستيفل» لم يرفّ لهم جفن، ولم يشعروا بأي حرج على ما يبدو. وبدل أن يعالجوا العورات الخطيرة والمعيبة التي أفقدت المسابقة كل مصداقية ومعنى، أصدروا بياناً شكروا فيه الأسواني على جهوده، وقرروا مواصلة المسابقة مع من تبقى في اللجنة من أعضاء، وكأن شيئاً لم يحدث.

ومن سوء حظ جماعة «الهاي» أنهم استفزوا الكثيرين على ما يبدو، حتى بات السكوت صعباً، فقولهم إن اللجنة الأولى استبدلت لأنها كانت لبنانية الطابع وكان يراد لها أن تكون عربية الوجوه، أخرج رئيسها المستقيل إلياس خوري عن صمته مؤخراً. وما نشره ليس «مجرد توضيح» كما أسماه، وإنما نقطة الماء التي يطفح بها كيل كل من تابع هذه المسابقة العجيبة. فقد كتب حرفياً: «ثلاثة من أعضاء اللجنة قرروا الانسحاب منها وهم هدى بركات وماهر جرار وأنا. وقد اتخذنا قرار الانسحاب بعد اجتماع لجنة التحكيم، على هامش معرض الكتاب في أبوظبي، في آذار 2008. كان قرارنا نابعا من شعورنا بأن المشرفين على المشروع، تعاملوا بخفة وعدم شعور بالمسؤولية، نتج منهما ما يمكن تسميته بالعشوائية.. كأن المطلوب أن نكون ديكوراً، على أن تتم الخيارات، بحسب قائمة غير مكتملة أعدّتها مجلة «بانيبال»، التي وعدت باستكمالها لاحقا». ما يقوله الياس خوري بوضوح أن اللجنة لا تختار أحداً وإنما تبصم على لائحة جاهزة تقدم لها. والسؤال الذي لا بد أن يطرح: هل كل هؤلاء الأدباء متآمرون وكذبة، وجماعة «الهاي» وحدهم هم الصادقون؟ وما ذنب بيروت التي تحتفي بنفسها عاصمة عالمية للكتاب، وتريد أن تخرج من روائح البارود والاغتيالات إلى رحابة الأدب وبراءته، أن تلوث سمعتها بهكذا أكاذيب؟ نحن هنا لا نريد أن نهاجم أحداً، لكن ما نشر وكتب، يضع وزارة الثقافة اللبنانية أمام مسؤولية كبيرة، فهل ستمضي في مسابقة، صارت سمعتها في الحضيض، والفائزون بها مشبوهون سلفاً، أم أنها ستوقف هذا السيرك، وتتحرى الحقيقة من مصادرها اللندنية، وتضع الحقائق أمام الرأي العام؟

[email protected]