ضبط الخلاف

TT

انتشرت الخلافات العائلية البينية بشكل مرعب، حتى إن أحد المحامين الأصدقاء قال إن هذه النوعية من القضايا باتت تستحوذ على أكثر من 50% من جهده، وتشكل نفس النسبة من قضايا مكتبه. والخلافات العائلية المقصودة هنا ليست فقط التي تستحوذ على عناوين الأخبار، ولكن التي لها علاقة بالخلافات التجارية والميراث والنسب والحقوق. وطبعا هذه النوعية من الخلافات موجودة بعمر الزمان وليست بجديدة أبدا، ولكن ما استجد هو درجة الجرأة في هذه الخلافات.

العائلة كوحدة أو كنواة كانت دوما مصدر فخر واعتزاز للمجتمعات العربية، وكانت دوما ما تفتخر (ويحق لها) بأن الأسرة هي المركز ونقطة الثقل الأكبر وبالتالي هي المكون للترابط والرادع لكل التجاوزات والقصور المتوقع، على عكس المجتمعات الغربية التي استعاضت بمؤسسة الأسرة كمرجعية أولى والمؤسسة الاجتماعية الأهم لترتكز على مؤسسة القانون والدولة والنظام. كلمات صعبة وحادة ومؤلمة دخلت إلى قاموس الخلافات الأسرية، لتجسد حجم الخلافات ونوعياتها المزعجة جدا.

وحين الاطلاع أيضا على نوعية الوسائل المستخدمة في هذه الخلافات لترجيح كفة طرف على الآخر لا يملك أمامها المتابع سوى الذهول، ولم يعد غريبا أن نسمع عن استخدام السحر الأسود واستخدام الرشوة والتزوير وكل الوسائل غير المشروعة الممكنة. إنه عالم قبيح ومخيف. عالم تختفي فيه القيم التربوية والمعاني الإنسانية والثوابت الأسرية والتعاليم الدينية والحقوق المدنية تماما. المحاكم مقدمة على مستوى جديد ومتطور من الخلافات الأسرية، مستوى لا رادع أمامه ولا حاجز يقف في طريقه. طريقه هو الجشع غير المحدود وعشق محموم للمادة و«أنا» عالية. على الرغم من أن علماء الاجتماع والمحللين الاقتصاديين يحاولون إيجاد تفاسير وتبريرات وتعليق علمي مدروس لهذه الظاهرة، فإن الاعتقاد الأعقل والأحكم أن المسألة في الحقيقة هي أبسط وأوضح. المسألة لا تتخطى أبدا كونها باختصار أن من يقدم على هذه الأنواع من التصرفات يتجرد من القيم الأسرية. هذه المساحة المتزايدة لا بد من مواجهتها بإعادة تمجيد الأخلاق والقيم الأسرية وإعادتها إلى دائرة الأضواء.

[email protected]