فضل الانتفاضة.. على إيران

TT

هل تتحول نكسة إيران الداخلية إلى مكسب خارجي.. على المدى القريب على الأقل؟

على قاعدة «ربّ ضارة نافعة»، فرضت الانتفاضة الداخلية في إيران ضوابط لم تكن متوقعة على مواقف العواصم الغربية من أسلوب التعامل مع برنامج إيران النووي.

ورغم أن العواصم الغربية ليست في وارد تجاهل أبعاد التطوير النووي الإيراني على أمن الشرق الأوسط واستقراره السياسي، فقد بدأت توحي باستعدادها لوضعه في ملف «الحفظ الموقت».. بانتظار تطورات الساحة الداخلية في إيران.

في حسابات الغرب العملية، ربح أحمدي نجاد الرهان على رئاسته في المواجهة ـ المستمرة ـ بين الإصلاحيين والمتشددين. ولكن رئاسته خسرت مصداقيتها في أوساط المثقفين الإيرانيين والشريحة الواسعة من الطبقة الوسطى في إيران. والأبعد من ذلك، أكدت المواجهة رغبة الآلاف المؤتلفة من الإيرانيين في الخروج من أسر الطوق الثيوقراطي المفروض عليهم والعودة إلى رحاب المجتمع الدولي وعالم القرن الحادي والعشرين.

«الانتظار والترقب» شعار المرحلة في العواصم الغربية، وخصوصا واشنطن. ومن الطبيعي أن يندرج تأكيد واشنطن، قبل يومين، من أنها «لن تعطي بالطبع الضوء الأخضر لأي نوع من العمليات العسكرية» ضد إيران في خانة القناعة المتنامية بضرورة إعطاء عامل الزمن دوره في تحديد الاستراتيجية النهائية حيال برنامج إيران النووي، ليس لأن من يسمون بـ«الإصلاحيين» في إيران يريدون التنكر لبرنامج بلدهم النووي بل لأنهم قد يكونون أكثر استعدادا لتلبية متطلبات وكالة الطاقة النووية والأسرة الدولية حياله.

شيئا فشيئا تتسم تحركات اللاعبين الغربيين الرئيسيين على ساحة الشرق الأوسط باعتدال يوحي بأن المنطقة تتجه، ولو بأناة، نحو حالة انفراج في ظل ما يمكن وصفه بسياسة إدارة أوباما في «احتواء» الجموح الإسرائيلي حيال إيران والفلسطينيين، ولبنان استطرادا، بانتظار الحصيلة النهائية للتطورات الداخلية في إيران.

وفي هذا السياق تصح الملاحظة بأن افتراق موقف واشنطن عن موقف تل أبيب حيال أي قضية شرق أوسطية كفيل بلجم الجموح الإسرائيلي، فيما يصعب التقليل من دور دعوة «المصالحة» الصريحة التي وجهها أوباما إلى العالم الإسلامي في خطاب القاهرة، في إشاعة حالة من الاسترخاء في العلاقات الأميركية ـ الإيرانية ربما كانت وراء «تجرؤ» الإصلاحيين الإيرانيين على تحدي سلطة المتشددين دون الخشية من تأثيرات اتهاماتهم التقليدية بالعمالة لأميركا في أوساط مؤيديهم.

وبالمقابل، يصعب، على الصعيدين السياسي والإعلامي، التقليل من أهمية الانتفاضة الإيرانية في تبدل الموقف الغربي من الدعوات الإسرائيلية لتوجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية.

ربما كان تركيز إدارة أوباما على الجبهة الأفغانية ـ الباكستانية في هذه المرحلة دافعا آخر لرد الملف الإيراني النووي إلى المرتبة الثانية من اهتماماتها في المنطقة. ولكن الواضح أن المخاوف السابقة من احتمال توجيه إسرائيل لضربة عسكرية ضد إيران خفت كثيرا، إن لم تكن تبددت، في الوقت الحاضر ليس فقط بفعل التزام إدارة أوباما دبلوماسية الحوار مع إيران ولكن بسبب قلبها، رأسا على عقب، منطق أولويات نتنياهو في الربط بين الملف النووي الإيراني والقضية الفلسطينية من «البدء» بإيران للوصول لاحقا إلى تسوية للمشكلة الفلسطينية إلى المنطق الأميركي المصر على ضرورة «البدء» بالمشكلة الفلسطينية لتحسين فرص التعامل الدبلوماسي مع إيران وإشراك دول المنطقة فيه.

بالنسبة لإيران قد تشكل دبلوماسية التأني الغربي في التعامل مع ملفها النووي خدمة غير إرادية قدمتها الانتفاضة الإصلاحية للنظام بعد ما أثبتت للعالم الخارجي أن المجتمع الإيراني ليس ذلك المجتمع «العقائدي «المنغلق على نفسه، وأن الشارع الإيراني ليس ملك الملالي.. فأبعدت، ولو إلى حين، احتمال لجوء إسرائيل إلى ضربة عسكرية من شأنها خدمة نظام الملالي بمجرد أن تعيد إلى إيران وحدة شارعها وسلطتها في مواجهة العدو الخارجي المشترك.

ومن غير المبالغة بشيء القول إن المفارقة التي تعيشها إيران اليوم هي أن الانتفاضة هزت أركان نظام الملالي في الداخل.. وحسنت صورة إيران، الدولة والمجتمع، في الخارج.