بايدن وسيناريو ضرب إيران

TT

حتى وقت يقارب شهرا أو نحو شهر، كان القليل يفكرون في هذا الأمر، لكن معظمهم كانوا يعتقدون أنه غير قابل للتفكير. والآن، فقد تبدلت الحال، فأصبح يبدو أن الكثيرين يفكرون فيه، ولا يعتقد أحد أنه غير قابل للتفكير.

وهذا الأمر هو فكرة مهاجمة إسرائيل للمواقع النووية الإيرانية. وفي الأسبوع الماضي، أعلنت عناوين الأخبار أن نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن قد أعلن أن واشنطن لن تمانع إذا فعلت إسرائيل ذلك.

وتستحق إشارات بايدن انتباها خاصا لعدد من الأسباب.

وأول هذه الأسباب، هو أن بايدن كان دائما معروفا بأنه داعم للجمهورية الإسلامية في إيران، حيث رحب بثورة الخميني منذ بدايتها. وعلى مدار سنوات عدة، كان أحد السياسيين الأميركيين القلائل الذين كانوا ينادون بإشراك الملالي بدلا من زيادة الضغط عليهم. ومع حديث مثل هذا الشخص عن الهجوم الإسرائيلي، من دون مجرد الإشارة إلى تداعياته المحتملة، فإن ذلك يؤشر على أننا نواجه موقفا جديدا، في ظل ذلك الاهتمام العالمي بتحليل الموقف الإيراني.

والسبب الثاني لاستحقاق ملاحظات بايدن للانتباه هو أنها لم تكن «موضوعة في النص» من قبل الرئيس باراك أوباما أو مساعديه. فبايدن معروف بأنه مدفع غير مقيد، وقد أجبر إدارة أوباما على «تصحيح» كلماته وأفعاله غير السياسية في عدد من المناسبات خلال الأشهر الأربعة الأخيرة. ومع ذلك، ففي هذه المرة، لم يكن هناك تصحيح. ومن الواضح أن الإدارة بأجمعها كانت تريد إرسال رسالة: «إن الولايات المتحدة لن تفعل شيئا من أجل إيقاف الهجوم الإسرائيلي على إيران».

ويقودنا ذلك إلى السبب الثالث وراء الاعتقاد بأهمية ملاحظات بايدن. فعلى مدار سنوات عدة، كانت إسرائيل تحاول إقناع الولايات المتحدة بالإبقاء على الخيار العسكري مطروحا. وقد تحدث رئيس الوزراء إريل شارون في هذا الموضوع مع الرئيس جورج دبليو بوش، من خلال طلب المساعدة اللوجستية، بما في ذلك الحق في الطيران فوق الأجواء العراقية في حالة مهاجمة إيران. ومع ذلك فإن بوش قد عارض الفكرة وأصر على أن موضوع طموحات إيران النووية سوف يتم معالجته من خلال مجلس الأمن.

وما هو جدير بالملاحظة هو أن ملاحظات بايدن وتقريرا تاليا عن أن تحذير رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لأوباما من أن إسرائيل لا تستطيع الانتظار بعد نهاية السنة الحالية حتى تقرر «ما تفعل بشأن إيران» قد زادوا قليلا من ردود الفعل العدائية خارج الجمهورية الإسلامية. ومنذ نحو شهر، كان مثل هذا التحذير سوف يجد أصواتا مرتفعة في العالم الغربي، تحذر من الحرب الوقائية التي كان يفضلها بوش.

فماذا بعد هذا الموقف الجديد؟

من الممكن أن ترغب إدارة أوباما في الاستعداد لمواجهة كافة الاحتمالات. وعلى الرغم من الرغبة في إشراك القيادة الخومينية، فإنه ليس هناك تأكيد على نجاح مثل هذا المسار. وحتى إذا بدأت المباحثات الرسمية قبل نهاية العام، مثلما يأمل أوباما، فلا يستطيع أحد أن يضمن أن الرئيس محمود أحمدي نجاد سوف يبقى في السلطة لوقت كاف لكي يتوصل إلى اتفاق.

ومع عدم وجود احتمال انتهاء أزمة ما بعد الانتخابات الإيرانية، فإن إدارة أوباما ربما تجد نفسها متورطة في مباحثات مع جماعة خاسرة تواجه صراعا محتدما في طهران.

من المحتمل كذلك أن تقوي أزمة ما بعد الانتخابات الإيرانية أولئك الموجودين في طهران، ويعارضون أي اتفاق مع الولايات المتحدة، ويقومون بما يعرف باستراتيجية «النمس». وحسب تحليلهم، فإن الجمهورية الإسلامية ليس لديها شيء لتكسبه من المباحثات مع الولايات المتحدة كما أنها يمكن أن تخسر كل شيء أيضا. ولذا، فإن أفضل رهان للنظام الخوميني هو تصوير نفسه على أنه المتحدي والذي يتزعم قيادة كل القوات المناوئة للأميركيين في جميع أنحاء العالم.

ولا شك أن أزمة ما بعد الانتخابات الإيرانية قد عملت على إضعاف الجمهورية الإسلامية من خلال إضعاف شرعيتها والتصدع الحادث في النخبة المسيطرة على المقاليد هناك.

وبالفعل، كان على الرئيس أحمدي نجاد أن يقوم بإلغاء زياراته إلى ليبيا لحضور قمة الاتحاد الإفريقي، وإلى مصر من أجل مؤتمر حركة عدم الانحياز. وقد تم التوقف عن الإعلان عن طموحه لقيادة دول عدم الانحياز، إن لم يكن قد ذهب ذلك الطموح إلى الأبد. كما كان عليه كذلك أن يقوم بإلغاء الزيارات إلى فنزويلا ونيكاراغوا والإكوادور والسلفادور والبرازيل وبوليفيا. وخلال زيارة قصيرة إلى روسيا لحضور قمة مجموعة شانغاهاي خلال الشهر الماضي، لم تتم الموافقة على عقد مباحثات منفصلة بين أحمدي نجاد ونظيره الروسي ديمتري ميدفيديف (وفي الحدث نفسه، عقد الرئيس الروسي مباحثات منفصلة مع الرئيس الباكستاني عاصف علي زرداري، والرئيس الأفغاني حميد كرزاي، وهو ما كان من الواضح أنه تحقير لأحمدي نجاد). وهناك إشارة أخرى على أن صورة الجمهورية الإسلامية قد تلطخت، وهي قرار عدد من القادة الأجانب تأجيل أو إلغاء الزيارات الطويلة المقررة إلى طهران، ومن هؤلاء سلطان عمان ورؤساء أوكرانيا وأذربيجان. وتوضح إشارات بايدن والموافقة غير المسبوقة عليها أنه في حالة مهاجمة إيران، فإنها لن تجذب مستوى التعاطف والدعم الذي كان من الممكن أن يتحقق قبل انتخابات 12 يونيو (حزيران). وقد عمل النزاع بشأن النتائج المعلنة على تنفير العديد من مؤيدي طهران والحلفاء الانتهازيين. وحتى أولئك الذين يعادون الأميركيين لم يعودوا جاهزين للعمل كدروع بشرية لصالح نظام يُتهم بأنه قد زور الانتخابات التي نظمها بنفسه، ولا يسمح بقبول إلا الأشخاص الذين يتمتعون بالقبول لديه.

وقد جعلت إعادة انتخاب أحمدي نجاد المشكوك فيها الجمهورية الإسلامية، أكثر ضعفا من أي وقت مضى خلال تاريخها الذي يمتد على مدار 30 عاما. وكما هي الحال في السياسة دائما، فإن الأشياء ربما لا تكون بسيطة مثل ما تبدو عليه. واليوم، فإن العملية العسكرية الإسرائيلية ضد الجمهورية الإسلامية تبدو أقل احتمالا لإثارة التنديد العالمي، لأن نتائج الصراع على السلطة في طهران ما زالت غير معروفة.

ومع ذلك، فإن عدم المعرفة هذا يجعل من هجوم إسرائيل أكثر تعقيدا وربما أقل احتمالا. فلماذا يجب على إسرائيل المخاطرة بإعادة توحيد الطبقة الخومينية الحاكمة، وربما جمع الأمة الإيرانية كلها خلف هذه الطبقة من خلال شن هجوم، قد لا يضمن إنهاء المشروع النووي المثير للجدل؟

فقعقعة السلاح ليست بديلا للسياسة. وما يحتاجه كل منا هو البحث عن تحليل دقيق لما يحدث في إيران، ولهوية الجماعة التي ربما تكون لديها أفضل فرصة للفوز بالصراع الحالي على السلطة.

وربما يكون شن الهجوم على النظام الذي يتجه إلى الهاوية عملا غير حكيم، مثلما هي الحال مع إجراء المباحثات معه.