عدالة الهوية

TT

في رد فعل على الإشاعات في مطلع القرن التاسع عشر، التي كانت تطارد قضاة المحكمة العليا حول إفراطهم في شرب الخمر، قرر القضاة ألا يشربوا الخمور خلال أيام المؤتمر إلا إذا كانت السماء تمطر. وفي المؤتمر التالي طلب رئيس القضاء جون مارشال من جوزيف ستوري أن يفحص السماء بحثا عن أي نذر بسقوط أمطار، وعندما أخبره ستوري بأنه لم يرَ أثرا لمطر قال مارشال: «إن نطاق سلطاتنا القضائية يشمل مساحة شاسعة من الأراضي، ووفقا لقانون الصدفة فمن المؤكد أنها سوف تمطر في مكان ما. دعنا ننعش أنفسنا». يتجادل الأميركيون حول سلطات المحاكم منذ الأزل، ولا يجب أن يتوقفوا، خصوصا بعد ترشيح الرئيس لسونيا سوتومايور، القاضية بمحكمة الاستئناف، للمحكمة العليا. الخلاف الذي دار في عام 1987 حول ترشيح الرئيس رونالد ريغان لروبرت بورك قضى على التقليد المعتاد بألا يقوم مجلس الشيوخ بالتنقيب العميق في المعتقدات القانونية والقضائية للمرشحين في أثناء تقييمهم. وكانت هزيمة بورك جائرة، ولكن المنحى الجديد نحو التصديق على الترشيحات كان متأخرا، على ضوء الدور المحوري المتزايد في الحكم الأميركي.

وقبل أن تبدأ جلسات الاستماع الخاصة بالتصديق على ترشيح سوتومايور، فإن المحكمة العليا على الأرجح سوف تكون قد أبطلت حكما ساندته سوتومايور في الدائرة الثانية بمدينة نيوهافن بكونيكتكت، والخاص بإلغاء ترقيات قسم المطافئ لعدم وجود أميركيين من أصول أفريقية (على الرغم من وجود هسبانك) ضمن عمال الإطفاء الثمانية عشر الذين اجتازوا اختبارات القبول للترقية. وقد أكدت هيئة قضائية مكونة من ثلاثة قضاة من الدائرة الثانية، بما فيهم سوتومايور، قرار محكمة المقاطعة برفض شكوى رجال الإطفاء من خلال قرار لا يتسم بالتريث وغير منشور ولا يجيب على أي من الأسئلة الدستورية الكبرى المطروحة في الشكوى. وهو ما يدعوه ستيوارت تايلور، من الـ«ناشونال جورنال»، بعملية غريبة للغاية وتثير الشكوك بأن بعض أو كل القضاة كانوا محرجين من قبح الأفعال التي كانوا يباركونها، وكانوا يحاولون تمرير القضية بهدوء كي يتجنبوا على الأرجح عرضها على المحكمة العليا أو تعرضها للانتقادات، أو كلا الأمرين معاً. ويضيف تايلور أنه عندما «تسربت بعض المعلومات إلى القضاة المحافظين في الدائرة» فكروا في أن يعاد النظر فيها من قبل كافة القضاة في الدائرة الثانية، وقد فشلوا ولكنهم قالوا إن المحكمة العليا يجب أن تأخذ القضية.

وقد دوّن تايلور ذلك من خطاب سوتومايور إلى مجموعة من الهسبانك: «أتمنى أن تتوصل امرأة لاتينية حكيمة بخبرتها العميقة إلى استنتاجات أفضل (كقاضية) من رجل أبيض لم يعِش نفس تلك الحياة». تخيلوا ردة الفعل إذا اكتشف شخص ما في عام 2005 خطابا يقول فيه القاضي صامويل أليتو على سبيل المثال: «أتمنى أن يتوصل رجل أبيض بقيمه الأميركية التقليدية إلى استنتاجات أفضل أكثر من امرأة لاتينية لم تعِش نفس هذه الحياة»، ثم استمر في الحديث حول «الاختلافات الثقافية والفسيولوجية الموروثة». وبعيدا عن مسألة العرق فإن سوتومايور هي الاختيار الطبيعي، حيث ستظل المحكمة مؤلفة بأكملها من القضاة السابقين في محاكم الاستئناف. ومثلها مثل الليبراليين التقليديين، فإنها تتبنى سياسة الهوية (وهي السياسات التي تتمحور حول تعرض مجموعة من البشر للاضطهاد المتعلق بهويتهم، سواء نظرا إلى العرق أو الدين أو الجنس)، بما يشمل فكرة التمثيل الفئوي، فالشخص هو عبارة عن سلالته وعرقه وجنسه وتفضيلاته الجنسية، ولا يمكن أن يفهم عضوا من أعضاء إحدى تلك الفئات ويتعاطف معه ويقدمه سوى فرد آخر من أفراد تلك الفئة. وقد زاد الديمقراطيون من الفوضى باعتقادهم أن المحكمة هي مؤسسة تمثيلية، ومثل هذا التشخيص للوظيفة القضائية يعرقل حكم القانون. وفي عام 1978 في قضية باكي التي كانت تتضمن تفضيلات عرقية في طلبات التقديم في مدرسة كاليفورنيا الطبية، فإن المقال الذي كتبه القاضي لويس باول كان يقول إن العرق يمكن أن يكون ميزة إضافية لأقليات معينة تفضلها الحكومة، ولكن وفقا لكاتب السيرة الذاتية لباول (جون جيفريز من كلية القانون في جامعة فيرجينيا)، فإنه عندما تشاور القضاة حول القضية فإن ثرجود مارشال قال إن مثل هذه التفضيلات تكون ضرورية في قرن آخر، ولم يتكلم باول. وفي عام 2003، وتأكيدا على دستورية التفضيلات العرقية في مكاتب القبول في الجامعة، فإن القاضية ساندرا داي أوكونور كتبت إلى الأغلبية قائلة إن مثل تلك التفضيلات ستكون غير ضرورية خلال 25 عاما أو 19 عاما من الآن. إلى متى تشعر سوتومايور بأنها ستكون ضرورية؟ وما هو معيارها للضرورة؟

وقد تنضم سوتومايور إلى مذهب ثرجود مارشال: «افعل ما تعتقد أنه صواب واترك القانون يتصرف» (مقتبس من مراجعة ستانفورد للقانون، صيف 1992). وهناك مبدأ قانون أفضل عبّر عنه مشرّع بولاية إلينوي في 2001 خلال حوار إذاعي: «الدستور هو ميثاق للحريات السلبية.. فهو يقول ما لا يمكن للحكومة الفيدرالية أن تقوم به معك، ولكنه لا يقول ما يجب على الحكومة الفيدرالية أو حكومة الولاية أن تقوم به لصالحك».

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»