حقائق كولن باول

TT

انتهى الخلاف الخطابي المتفجر أخيرا بين تشيني وأوباما بإخفاق كئيب لاتفاق مهم بخصوص استمرار اللجان العسكرية، والحاجة إلى اعتقال بعض الإرهابيين لأجل غير محدد، وحماقة «لجنة حقائق». وتجلى أن الخلاف الأكثر حدة يتعلق بممارسات تحقيق توقفت قبل 6 أعوام. وفي هذه الأثناء، لا يزال أوباما مستمرا في عمليات القتل المستهدفة بواسطة الطائرات الموجهة من دون طيار في باكستان، وتسليم الإرهابيين إلى الدول الصديقة الأقل دقة في تطبيقها لبنود اتفاقيات جنيف. هذا هو النفاق، لكنه نفاق في الصالح القومي.

وعلى جبهة أخرى من الهجوم الإعلامي الذي يشنه نائب الرئيس الأميركي السابق ديك تشيني، ولكن هذه المرة موجها ضد وزير الخارجية الأسبق كولن باول بشأن مستقبل الحزب الجمهوري، نجد أن الهجوم أكثر حدة. وقال تشيني بأسلوب مقتضب يتسم بالحدة: «لا أعرف هل ما زال (باول) في الحزب الجمهوري». ورفض باول هذا التعليق، واصفا إياه بأن «لديه معلومات خطأ»، قبل أن يمضي في انتقاده للحزب الجمهوري واصفا إياه بأنه «محدود للغاية».

وبصورة أو بأخرى، يعد هذان الرمزان ممثلين غريبين للأقطاب الأيدلوجيين داخل الحزب الجمهوري. وعلى الرغم من أن سجل التصويت بمجلس النواب الخاص بتشيني كان بين المحافظين على نحو واسع، فإنه كان يحظى بإعجاب كبير بين المعتدلين من الجمهوريين لأسلوبه المتعقل. ودوما كان متحفظ الحديث إزاء ما يتعلق بالقضايا الاجتماعية المثيرة للجدل، باستثناء دعمه لزواج المثليين. وفي المقابل، كان باول من صناع سياسة «لا تسأل، ولا تتحدث» العسكرية حيال قضية المثليين. وامتدح المحافظون باول وزوجته ألاما (عن استحقاق) لالتزاماتهما بمتابعة الشباب وتنشئتهم الأخلاقية.

إلا أن تشيني كانت له وجهة نظر حول قوة ارتباطات باول الحزبية، وهي شكوك نماها باول نفسه. وفي عام 1995، أعلن باول أنه غير قادر على «إيجاد موقع مثالي في كلا الحزبين القائمين»، وروج لفكرة الترشح للانتخابات كمرشح مستقل. وحتى بعد اعتناقه مبادئ وسياسة الحزب الجمهوري، فإنه نادرا ما كان ينتقد الحزب الديمقراطي بالنزعة نفسها التي كان يشجب بها التجاوز الجمهوري. ويصعب تأويل تأييد باول لأوباما في سباقه الانتخابي ضد جون ماكين بأنه احتجاج من جانبه ضد التطرف الجمهوري.

لقد كان ماكين (وما زال) من المحافظين مستقيمي النهج تقليديا إزاء القضايا المتعلقة بالهجرة، والبيئة، وحملة الإصلاح المالي. وإذا لم يكن باستطاعة باول دعم ماكين أمام أوباما، فمن العسير التفكير فيمن هو الجمهوري الذي يمكنه أن يفي بهذا الغرض.

وعلى الرغم من هذا كله، فإن باول هو من يجب أن يصغي إليه الجمهوريون، فالحزب الذي يولي اهتمامه بالعزل أكثر من حشد الأنصار يعد فعليا في مشكلة. لقد دعا باول إلى الالتفات إلى بعض الحقائق التي لا مفر منها.

أولى هذه الحقائق، أسطورة أنه بإمكان رسالة محافظة وحيدة أن تحقق فوزا في كل مكان بأميركا، فما من نهج أيديولوجي «محض» ـ ليبراليا كان أم جمهوريا ـ يمكنه استحواذ مشاعر ولايتي ألاباما وأوريغون على نحو ثابت. وحتى في أوج ثورة ريغان، كان مجلس الشيوخ الجمهوري يضم أصواتا معتدلة وليبرالية مثل مارك هاتفيلد، وروبرت باكوود من أوريغون، وتشارلز ماثياس من ميريلاند، وروبرت ستافورد من فيرمونت وتشارلز بيرسي من ولاية إلينوي. ولن يحظى حزب سياسي بالقبول عبر دولة متنوعة ممتدة على امتداد قارة بأكملها إلا إذا كان عبارة عن ائتلاف متنوع أيديولوجيا.

ثانيا، يعد باول محقا بأن الزعيم الجمهوري الناجح المقبل يجب أن يتمتع بقبول بصورة غير تقليدية. واستشهد باول بأن الشخص المثالي بالنسبة له كان جاك كيمب، الذي تُوفي قريبا، إذ قال عنه: «كان محافظا شأنه شأن أي شخص آخر»، إلا أنه «يؤمن أيضا بمبدأ الشمول، والوصول إلى الأقليات والفقراء».

لقد حشد حزب أوباما أغلبيته الحالية من بين الجماعات ذات التأثير الديموغرافي (ومن ثم الديمقراطي) المتزايد، لا سيما الناخبين غير البيض، والشباب، والحاصلين على شهادات جامعية. ومن الصعب تخيل أن يستعيد الجمهوريون زخمهم بين هذه الجماعات من دون توجيه رسالة مناضلة غير متوقعة بشأن العدالة الاجتماعية، والإدارة البيئية، والحراك الاجتماعي، بالإضافة إلى مبادئ المحافظة الأخلاقية والاقتصادية الذي من شأنها تحفيز قدر كبير من الائتلاف الجمهوري في المستقبل المرتقب.

وخلال سنوات رئاسة كلينتون، كان المحافظون يتحسسون هذا النوع من المرشح غير التقليدي، وبعضهم كان على استعداد للتحول إلي.. كولن باول. وقال زميلي بيل كريستول إنه كان «منفتحا تجاه النقاش الذي يشير إلى أن مصالح الاتجاه المحافظ يمكن أن تحصل على دعم من الانتصار الساحق لجمهوري معتدل».

وقد حث وليام بينيت الجمهوريين على «النظر بجدية» إلى باول. ولاحظ بينيت أن «هناك بعض من يقولون في حزبنا (لا يتعين علينا ذلك). وهو ما يبدو جنونا بالنسبة لي.. إذ إن هناك اتجاها جادا للغاية للقيام بنوع من التطهير للأفراد البارزين ممن لا يتسمون بالنقاء على نحو كاف.. ولأجل الله، ألا يجب الترحيب برجل مثل هذا في الحزب بملء الذراعين؟». ومنذ ذلك الحين، لم يثبت باول بأنه الأكثر ولاء للجمهوريين، إلا أن هذا النقاش ما زال ساريا.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»