ربما لهذه الأسباب زار مقتدى الصدر أنقرة

TT

أربكتنا زيارة مقتدى الصدر المفاجئة إلى تركيا قبل شهرين، وعجزنا عن تحديد أسبابها الحقيقية، خصوصا أنها جاءت وسط ظروف سياسية وأمنية صعبة كان يعاني منها الصدر وتياره بعد مغامرة الدخول في مواجهة مفتوحة مع الحكومة العراقية والقوات الأميركية، أدت إلى تراجعه واختياره المغادرة إلى إيران تحت ذريعة متابعة تحصيله العلمي في الحوزات الدينية.

والذي أربكنا أكثر كان الاستقبال الحافل الذي لقيه الصدر، الذي زار أولا الرئيس التركي عبد الله غل في قصر «شنقايا» المُوصَد حتى الساعة بوجه مسعود البرزاني مثلا، ثم اجتماعه برئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في جلسة عمل مطولة تؤكد أن ما يجري يحمل خلفيات وأبعادا أكبر وأهم من أن تكون أنقرة فتحت أبوابها أمام قيادات حركته لعقد مؤتمر موسع، بهدف مراجعة سياسات واستراتيجيات التيار داخل العراق وخارجه. لا، بل ما استوقفنا كان مغامرة تركيا باستضافة الصدر، رغم كل الانتقادات والحملات ضده التي تغضب حكومة العراق المركزية أولا التي كانت تعقد معها قبل أسابيع اتفاقيات تعاون وتنسيق تجاري وأمني، وتغيظ واشنطن ثانيا، التي تعهدت بفتح صفحة جديدة مع أنقرة في الموضوع العراقي، تقوم على التنسيق والتعاون.

مكتب الصدر أعطانا أساسا، وقبل شهرين، بعض التلميحات حول أسباب الزيارة وأبعادها «اختيار تركيا مكانا لتوجيه هذه الرسائل إلى الآخرين سببه موقعها، ودورها المرموق بين الشعوب والدول، إضافة إلى دورها الإقليمي النافذ»، لا، بل إن واشنطن نفسها، ونقلا عن دبلوماسييها في تركيا، ومن خلال ترحيبها بزيارة الصدر، واعتبارها إيجابية، كانت أبرز عوامل إزالة الاستغراب والحيرة، ومع ذلك كنا دائما في طريق مسدود.. لماذا جاء الصدر؟. كان ينقصنا رصد الأرشيف التركي، ومتابعة الأحداث حتى النهاية، في محاولة للربط بين: إعلان رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون رسميا انتهاء العمليات القتالية للقوات البريطانية في العراق في أواخر أبريل (نيسان) الماضي.

وترافق ذلك مع زيارة قصيرة قام بها روبرت موللر رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالية الأمريكية إلى تركيا في الفترة نفسها، ثم زيارة مقتدى الصدر إلى أنقرة، التي أعقبتها بعد 3 أسابيع زيارة وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند الخاطفة إلى العاصمة التركية، لتتقاطع كلها ربما عند موضوع واحد كنا نعتبره مجرد خطوة إقليمية جديدة لمهندس السياسة الخارجية الجديدة أحمد داود أوغلو، لتكريس الوجود التركي كلاعب رئيسي في الملف العراقي، ليأتي الجواب المتأخر، وقبل أيام، وعبر إعادة تركيب المكعبات وترتيب المواد حول الزيارة وأسبابها وأبعادها أن العاصمة التركية كانت ممرا، وهو تخمين سياسي لصفقة كبيرة رعتها تركيا، ولعب فيها السفير التركي في العراق مراد أوزشليك، الذي رافق الصدر في رحلته إلى أنقرة، دورا هاما بين الأميركيين والبريطانيين من جهة، والتيار الصدري من جهة أخرى قبيل استلام أوباما الحكم، وهي أصلا لها علاقة بضمانات قدمها الصدر بالتخلي عن لغة السلاح، مقابل وقف العمليات العسكرية والأمنية التي تنفذ ضد أنصاره في العراق، ليتوج كل ذلك بإطلاق سراح مجموعة من قيادات هذا التيار، يتقدمهم عبد الهادي الدراجي الموقوف منذ أكثر من سنتين، دون أن توجه إليه أية تهمة رسمية، مقابل إطلاق سراح مجموعة من البريطانيين والأميركيين يحتجزهم تيار الصدر ردا على حملات الاعتقالات والخسائر والأضرار المادية والمعنوية التي تعرض لها جيش المهدي منذ عام 2007.

قبل أيام تفجرت في العراق أزمة سياسية جديدة مع الإعلان عن دستور إقليم كردستان العراقي والداخل التركي المنشغل بأزمته السياسية الجديدة بين المؤسسة العسكرية وحكومة أردوغان، لم يتنبه بعد إلى أبعاد وخطورة هذا الدستور، وما يعنيه بالنسبة إلى السياسة التركية ومصالحها الحيوية هناك. أنقرة التي تحركت للمساهمة في إخراج الصدر من ورطته ضمن معادلات الربح والخسارة في العراق ستقول شيئا ما في موضوع الدستور الكردي، وبأسرع ما يمكن، خصوصا أن العديد من المتابعين راهنوا خلال وجود الصدر في تركيا على تنسيق بين الجانبين في موضوع كركوك ومستقبلها.. فليس بنفط شمال العراق وحده يحيا الإنسان.

* كاتب وأكاديمي تركي