طرنيب في القاهرة

TT

قرأت سريعا كتابا خفيفا للصحافي هيو مايلز بعنوان «عن لعب الطرنيب في القاهرة». والصحافي البريطاني ولد في السعودية وتعرف على القاهرة شابا وأحبها ثم أحب الفتاة التي ستصبح زوجته، وفي النهاية تحول كل شيء إلى كتاب ظريف يشبه الصحافة اليومية أو الكعكاية بالفراولة. ومن الصدف أن الصحف العربية التي تنشر «كتاب في جريدة» أعادت هذا الشهر طبع كتاب دزموند ستيوارت عن القاهرة قبل أربعين عاما. ويشبه الكتاب في صيغته الصحافية، الكتب أيام الاتحاد السوفياتي مع أن المتبرع بالعمل، السيد محمد عيسى الجابر، «يحط عينه» دائما على أفخم فنادق أوروبا كما يحط عائلة هيلتون وحفيدتها «باريس» في جيبه الصغرى. لكن ما العمل، العربي والكتاب، العربي والفنادق.

الفرق بين كتاب دزمومد ستيوارت وهيو مايلز عن القاهرة، هو القاهرة. قاهرة اليوم، المركزة في الزمالك بالنسبة إلى الصحافي الشاب، تلعب الطرنيب «يخصص فصلا لشرح اللعبة» وفيها 25% من الرجال عاطلون عن العمل و59% من النساء. وبسبب البطالة هناك ملايين العوانس. لذلك لجأ مئات الآلاف إلى «الزواج العرفي». وميزة هذا الزواج أن لا أولاد فيه ولا بنات ولا ثبات. وإذا حدث وحملت حرم الأستاذ وأصرت على الوضع، «إنخضّت البلد وي آمِت الدنيا»، كما حدث للممثل أحمد الفيشاوي، الذي رفض بادئ الأمر استلام الهدية من الهانم الحرمة العرفية.

فقد كان الفيشاوي باشا يتوقع زواجا من غير «زيظة وزنبليطا». أي عشق وحب ونار يا حبيبي نار، كما غنى عبد الحليم، ولكن «لا مين شاف ولا مين دري» كما تغني ستنا وحبيبتنا نهاد حداد، المعروفة لدى جنابكم بفيروز! في أي حال، هذه هي قاهرة المستر مايلز. القاهرة السابقة، عند ستيوارت، أحد أهم خبراء الشرق الأوسط في تلك المرحلة، هي قاهرة الزعامات وعدم الانحياز وأفريقيا والنهضة العربية وآخر أيام طه حسين وتوفيق الحكيم وعز مولانا نجيب محفوظ وألق سيدتنا فاتن ويوم العالم العربي يغيب ثم يفيق على الست تزلزل الأرض وهي تكذب العاشق «الكداب»: ما تصبرنيش، ما خلاص!

طرنيب، يقول لنا المستر مايلز فرحا في شوارع الزمالك، ذلك الحي الذي طالما أحببت، في الست التي كان المرء يحب فيها حبيبته ويحب من أجلها كل الأشياء. ولم يكن «عمر الخيام ـ الزمالك» قد أصبح «الماريوت» بعد، بل كان على قدمه وعتقه ورائحته كقصر سابق لأمير لبناني. وفي هذا الفندق، الذي كان من أرخص فنادق القاهرة، كان يسكن عبد الحليم. وكانت القاهرة تغني. وكانت الست تهلل: يا عيني عيني عَ العاشقين!