ضرب المرأة «بمسواك»

TT

هو شيخ شاب ومرن ومنفتح إلى جانب ورعه وعلمه الغزير.

تباسطت معه يوما ـ بمعنى أنني أخذت أسأله عن بعض «المفارقات» التي تمر عليه في المحكمة أحيانا ـ على أمل أن أستفيد من بعضها لتكون مادة مقبولة لمواضيعي التي أكتبها. وقد حكى لي الكثير منها، ولكن أغلبها للأسف غير قابل للنشر.

ومن خلال رواياته تبين لي أن العنف الأسري متفشٍّ بشكل كبير في مجتمعاتنا، خصوصا من الرجل الزوج ضد المرأة الزوجة، وهذه ظاهرة لا تبشر بالخير أبدا، مثلما أكد.

ويمضي قائلا: قبل أيام أتتني امرأة ملتحفة بالسواد تشكو وتبكي من زوجها الذي «قطع جلدها» من شدة الضرب ـ على حد تعبيرها ـ وعندما سألتها: بماذا ضربك؟

قالت: بمسواك.

ولكي أهدئها وأهون الموضوع عليها قلت لها: لعله أراد فقط أن ينبهك ويزجرك بلطف، لهذا هو اختار هذه الوسيلة الخفيفة لكي لا يؤلمك.

فرفعت صوتها بوجهي قائلة: أي لطف وأي وسيلة خفيفة أنت تتحدث عنها يا فضيلة الشيخ؟!

وسكتت قليلا، ثم قامت وسحبت من تحت عباءتها «مطرقا» طويلا من جذور «الأراك» ـ وهو الشجر الذي تؤخذ منه المساويك ـ كان «الشوحط» أو المسواك أغلظ من إصبع الإبهام مرتين، وطوله ـ دون مبالغة ـ أكثر من متر. ومضت تتكلم وأحس بطقطقة أسنانها من شدة الانفعال قائلة: إنه أخذ يضربني دون أي رحمة في كل أنحاء جسدي ووجهي إلى درجة أنه كاد يغمى عليّ!

ويمضي الشيخ قائلا: الذي صدمني وأضحكني في نفس الوقت ـ رغم أن الموقف لا يحتمل الضحك ـ أنها قالت لي ببراءة عجيبة: إذا كنت لا تصدق أن هذا «المسواك الطويل» يؤلم، فأرجوك أن تجعل أحدا من معارفك يجلدك به ثلاث جلدات فقط لتعرف أن قسوة الألم منه أشد من «الخيزرانة».

قلت لها: لا، لا، أرجوك، إنني صدقتك، صدقتك، وإن شاء الله يكون خير، وشكواك موجودة عندي وسوف أبحث الأمر.

وعرفت منها أنها ذاهبة إلى بيت أهلها ولن ترجع إليه إلا بعد أن تطمئن أنه لن يعاود ضربها مرة أخرى بذلك المسواك الذي لديه منه «حزمة» لا يقل عددها عن عشرة، ولا بد أن تصادر.

وفي اليوم التالي استدعيت الزوج ونصحته ووبخته كذلك على ضربه المبرح لزوجته، فرد علي بكل ثقة و«قواية عين» قائلا: إنني لم أضربها إلا بمسواك حسب ما يوجهنا الشرع. قلت له: إن ذلك المسواك الذي اخترته لضربها ليس مسواك «أوادم»، إنه عبارة عن «سوط». صحيح أن الشرع يدعونا إلى تنبيه الزوجة إذا «اضطررنا»، بضربها ضربا خفيفا يشبه اللمس، إما بمسواك قصير نحيف، أو حتى بهدبة الثوب. فقال لي مستغربا وهو يغالب ابتسامة تكاد تفر من شفتيه: هذا الذي تقوله يا شيخ ليس ضربا وإنما هو شيء من الممازحة و«التدليع»، فكيف تريدني بالله عليك أن أفعل ذلك وأنا في قمة غضبي؟!...

فقاطعت الشيخ بالكلام لأسأله: ما الذي انتهيت إليه مع ذلك الوحش؟

فقال: لقد قلّمت مخالبه.

ولم أفهم ماذا يعني بتقليم المخالب.

[email protected]