صانع «النهار» لا صاحبها

TT

صار غسان تويني، نائبا وهو في الخامسة والعشرين من العمر، وما من أحد يذكر متى. وحمل حقائب وزارية كثيرة، ولا أحد يذكر ما هي. وعمل سفيرا لدى الأمم المتحدة، وهو الذي حقق القرار 425 الذي نص على انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان.

لكن غسان تويني، دخل الذاكرة العربية على أنه الرجل الذي صنع «النهار»، وأعطى الصحافة اللبنانية نهضتها وحجمها ومكانتها وأبعادها. ورث «النهار» جريدة بيروتية راقية، ولكن محدودة السمعة والانتشار، لكنه حولها إلى صحيفة توزع على مستوى لبنان وفي العالم العربي، ولها حضور سياسي على مستوى الأمة.

وقد انضم إلى «النهار» صحافيون كثيرون، لكن غسان تويني كان سر حداثتها وريادتها وتجددها وتطورها. أخذت منه «النهار» أكثر بكثير مما أعطته في الوهج وفي المكانة. وقد فقدت «النهار» كبير معلقيها، ميشال أبو جودة، منذ ربع قرن، وفقدت رئيس تحريرها الضابط حركتها، لويس الحاج. ودخل إليها وخرج منها كثيرون، لكنها بقيت في موقعها بسبب غسان تويني، وشغفه بالصحافة، وإدراكه أن «النهار» جزء حيوي حياتي منه، ولون من ألوان علم النهضة الحديثة في البلد.

منح صانع «النهار» جائزة الرئيس إلياس الهراوي للإبداع والتقدير، يوم الجمعة الماضي. وقد كتبت في المناسبة «مقال الأربعاء» في الجريدة عن سيرة رجل لا عد ولا حد لصفاته وميزاته ومنجزاته. وفيه ذكرت للمرة الأولى أنني خذلته مرتين، عندما طلب مني أن أكون رئيس تحرير «النهار»، العام 1983 والعام 1988، وفي المرة الثانية شعر أنني خذلته وقرر ألا يتحدث إلي بعد ذلك. لكنني أصررت على أن أتجاهل قراره وأن أبقى إلى جانبه، سيدا ومعلما وصديقا. وشرحت له أن المرء لا يرفض رئاسة تحرير «النهار» في سهولة، ولكن ماذا أستطيع أن أفعل في رئاسة التحرير، إذا كان ميشال عون قد قرر «حرب تحرير» لبنان في نفس الوقت وبدأها في نفس اليوم. ولا يزال مستمرا.

يفاخر صحافيو لبنان بأنهم تعلموا من غسان تويني، سواء عن قرب أو عن بعد. داخل جدران «النهار» أو خارجها. سبعة عقود بدأت مع استقلال لبنان تقريبا، كان خلالها صوت الحرية والتجدد والرقيب الضمائري على أداء الحكومة. وفي عهدته لم تكن «النهار» مجرد صحيفة ممتعة، بل كانت مقتدى اجتماعيا سياسيا وطنيا في أبهى حالات الارتقاء.