عصر الديجيتال: نصيبنا منه واستعدادنا له

TT

تسير دول العالم المتقدمة حاليا بخطى متسارعة نحو التحول الشامل لاستخدام نظم التكنولوجيا الرقمية (الديجيتال) Digital والتي تعني اختزال المعلومات لتصبح أكثر سهولة ودقة عند معالجتها، فقد أصدرت الحكومة البريطانية أخيرا تقرير «بريطانيا الرقمية» Digital Britain Report الهادف إلى تطوير البنية التحتية للتكنولوجيا الرقمية والتحول لاستخدامها لجميع فئات المجتمع، فعلى سبيل المثال سيحصل جميع الأفراد على خدمة الإنترنت وستصبح الإنترنت السريعة متاحة على مستوى أفضل، وسيكون هناك صيغ قانونية وتنظيمية لمراقبة ومكافحة القرصنة الرقمية والتحميل غير القانوني للملفات والفيديو، كما تجرى حاليا في بريطانيا عملية الانتقال إلى البث التليفزيوني الرقمي.

وفي 12 يونيو (حزيران) الجاري أنهت الولايات المتحدة أجهزة التلفاز القديمة المعتمدة على نظام التقنية التماثلي «الأنالوج» Analog (نظام المعلومات ذات الشكل الطبيعي الذي لم يتم معالجته وتكون متماثلة وتوصف بالتغير والتباين المستمر) والذي كان قد بدأ مع بداية البث التلفزيوني في أميركا عام 1928، وانتقلت أخيرا إلى البث التلفزيوني الرقمي المعتمد على الأجهزة الرقمية الحديثة، وذكرت «لجنة الاتصالات الفيدرالية» أن نحو 1800 محطة تلفزيونية في البلاد قد تحولت إلى البث الرقمي. والجدير بالذكر أن الكونغرس الأميركي قد صوت على هذا التحول في مطلع العام الحالي، وفي سبيل ذلك قامت الولايات المتحدة بالعديد من الاستعدادات، منها توفير أجهزة التقاط الإشارات الرقمية وأجهزة التلفاز الرقمية الحديثة، وتنبيه مشاهدي التليفزيون بسلسلة من الإعلانات للتحول للبث الرقمي، وحثهم على شراء التجهيزات اللازمة، كما أصدرت الحكومة الأمريكية قسائم مجانية بقيمة 40 دولارا للمواطنين لتغطية التكاليف التقنية لهذا التحول. والسؤال الذي يطرح نفسه، ما نصيبنا من الثورة الرقمية العالمية الحالية؟ ومدى وجودنا واستعدادنا لها؟ والإجابة لا تخفى على أحد، فرغم الإمكانات المادية المتاحة لدينا ما زال نصيبنا ضئيلا من هذه الثورة، فعلى سبيل المثال لا تزال نسبة مستخدمي الإنترنت ضئيلة، ويقتصر وجودنا واستعدادنا على حضور معارض الأجهزة الإلكترونية والتقنية الرقمية لتوزيعها في عالمنا العربي، بمعنى أننا مستهلكون من الدرجة الأولى للتكنولوجيا المتطورة لا مصنعون أو مبتكرون لها، ولهذا لا بد من البحث عن الأسباب الحقيقية التي تضع عالمنا العربي في موقع متأخر ضمن قائمة الدول الرائدة في الثورة الرقمية الحالية، والتي من بينها ضعف البنية التحتية للتكنولوجيا الرقمية، إضافة إلى الأمية العادية والأمية الإلكترونية والرقمية، مع اقتراح الأساليب الفعالة التي يمكن أن تسرع في تضييق الفجوة الرقمية بيننا وبين الدول المتقدمة.

الخلاصة، في ظل الثورة الرقمية الحالية وآفاقها المستقبلية الواعدة، أصبح هناك حاجة ماسة إلى الاستعداد للتطورات والتغيرات المتسارعة المقبلة باتجاه التحول الرقمي، من خلال إعداد برامج وخطط استراتيجية لتحديات العصر الرقمي المقبلة ولإتمام عملية التحول الرقمي بكفاءة وسلاسة وتدرج، مع ضمان التنسيق والتعاون بين مختلف الجهات المعنية بهذا التحول، ومن بين هذه البرامج، جمعيات لاستشراف المستقبل والاستعداد له بناء على ما هو متوافر من خبرات ومعارف تكون من بين مهامها دراسة التغيرات التي يمكن أن تطرأ على المجتمع جراء إدخال واستخدام تكنولوجيا معينة، وضرورة إعداد برامج إعلامية وتعليمية لتوعية المواطنين بالثقافة الرقمية وأهمية وأبعاد التكنولوجيا الرقمية وانعكاساتها وتأثيراتها الاجتماعية، على أن تكون مصحوبة بكتب وقواميس عربية للتكنولوجيا الرقمية توضح هذه التكنولوجيا ومصطلحاتها بلغة سهلة لتأهيل الأفراد وإعدادهم للعصر الرقمي الجديد وأجياله الحديثة من الأجهزة الإلكترونية الرقمية، وتشجيع المستثمرين ورجال الأعمال العرب للإسهام في مشاريع لاستخدام التكنولوجيا الرقمية، منها على الأقل إصدار مجلات علمية وتكنولوجية متميزة تعرّف الجمهور وأجيالنا الناشئة بأبعاد وتطورات الثورة الرقمية الحالية وتؤهلهم للحاق بها، مع التوسع في برامج التعلم مدى الحياة لإعداد واستعداد الأفراد دائما للتفاعل مع الآفاق الواعدة للتكنولوجيا الرقمية.

* كاتبة وباحثة مصرية

في الشؤون العلمية.