بحثا عن الكرامة

TT

عندما كان جورج واشنطن في شبابه، نسخ قائمة من 110 «قواعد للسلوك المتحضر واللائق في التجمعات والمحادثات». وتناول بعض من القواعد التي وردت في قائمته سلوكيات الذهاب إلى حفل عشاء أو مقابلة شخص في الشارع.

فكانت إحدى القواعد تقول: «لا تستند على أي شخص». وكانت قاعدة تنص على: «لا تقرأ رسائل أو كتبا أو أوراق في التجمعات». وثالثة: «إذا جاء أي شخص يتحدث إليك بينما أنت جالس، فقف».

ولكن، كما أشار ريتشارد بروكيسر كاتب السيرة الذاتية، فإن تلك القواعد التي استخلصها واشنطن من دليل يرجع إلى القرن السادس عشر، ليست مجرد نصائح في الإتيكيت. ولكن المقصود منها هو تحسين الأخلاق الداخلية بتشكيل مظهر خارجي للشخص. وقد أخذها واشنطن على محمل من الجدية. واجتهد في اتباعها. وطوال حياته، ظل على وعي باستقامته الأخلاقية.

وبذلك، تحول إلى بطل من نوع جديد. فلم يكن في الأساس بطلا عسكريا أو سياسيا. وكما كتب غوردون وود: «لقد أصبح واشنطن رجلا عظيما واشتهر بأنه بطل كلاسيكي بفضل الطريقة التي كان يقود بها ذاته في أوقات المغريات. وكانت شخصيته الأخلاقية هي التي جعلته متميزا عن الرجال الآخرين».

وقد استوعب واشنطن الأمر، وأصبح فيما بعد يجسد ما يمكن أن تطلق عليه قانون الكرامة. ويعتمد هذا القانون على الافتراض الأساسي الذي يعتمد عليه الدستور، أن البشر مخلوقات ذات عيوب يعيشون في خطر مستمر من التعرض للوقوع في كوارث بسبب مشاعرهم الخاصة. وكان لا بد من إقامة أنظمة وضعية لتحقق التوازن وتكبح جماح رغباتهم.

ويتطلب قانون الكرامة من تابعيه أن يكونوا بلا مصالح، أي أن يحاولوا وضع المصالح الوطنية فوق المصالح الشخصية. ويطلب من تابعيه أن يكونوا متحفظين، أي لا ينزلوا بمرتبة مشاعرهم الحميمة بعرضها على الملأ. ويطلب أيضا من تابعيه أن يكونوا هادئين، فلا يثقوا في التهور والتعصب والغضب والحماسة السياسية.

واستمرت بقايا قانون الكرامة لعدة عقود. وعلى مدار معظم التاريخ الأميركي، لم يخض السياسيون حملة علنية للرئاسة. وكان من المعتقد أن الترويج للذات علنا فساد مدمر. وعلى مدار معظم التاريخ الأميركي، تغاضى كتاب المذكرات عن علاقات الحياة الخاصة. وحتى في القرن التاسع عشر، كان الناس يشعرون بالانزعاج لأن الصحافيين قد يلوثون حفل زفاف بتغطية أخباره في الصحف.

واليوم، ما زال الأميركيون معجبين للغاية بالأشخاص الذين يحتفظون بمنزلتهم بصورة طبيعية، سواء كانوا في مجال الرياضة (مثل جو ديماغيو وتوم لاندري)، أو الفن (مثل لورين باكال وتوم هانكس) أو السياسة (مثل رونالد ريغان ومارتن لوثر كينغ جونيور). ولكن اندثر قانون الكرامة كلية. وذهبت القواعد التي كانت ترشد واشنطن والأجيال من بعده.

ويمكننا جميعا أن نسرد قائمة بأسباب هذا الفقدان. أولا، إنها الرأسمالية، حيث نتشجع جميعنا لكي نصبح مديرين لأنفسنا، ولأن نقوم بالرقص حتى النهاية لنروج لأنفسنا ونعلن عن مواهبنا. ثانيا، عبادة الطبيعة. فنتشجع جميعا للتخلي عن الحيلة وقمع الذات، وبدلا منها نحرر مشاعرنا الخاصة. ثالثا، هناك النزعة الكاريزمية والولع بالاعتراف العلني. رابعا، هناك المساواة الراديكالية وكراهيتها للأخلاق الأرستقراطية.

ولم يستمر قانون الكرامة القديم في الحياة الحديثة. وتبدو آثار فقدانه واضحة للجميع. وفي كل أسبوع تطالعنا فضائح لأشخاص لم يعرفوا ببساطة كيف يتصرفون. وعلى سبيل المثال، في الأسابيع الأولى القليلة من فصل الصيف، سادت ثلاثة أخبار المحادثات العامة، ويعد كل واحد منها نموذجا لفرع آخر من انعدام الكرامة.

أولا، جاء المؤتمر الصحافي لمارك سانفورد. وها هو الرجل الذي يفتقد إلى الشعور بالتحفظ، والذي سقط في فضح ذاته حتى في لحظة مهينة. ثم كانت وفاة مايكل جاكسون والحديث عن حياته. وكان رجلا غير متأثر على ما يبدو بأي ضغوط ليعيش حياته وفقا لقوانين وقيود البالغين. ثم جاء المؤتمر الصحافي الذي أقامته سارة بالين. وها هي المرأة التي تطمح إلى دور شعبي أكبر، ولكنها غير معتادة على صفتي التوازن والثبات، وهما مصدران للسلطة والثقة.

وفي كل من تلك الأحداث، يرى المرء أشخاصا ليست لديهم عادات اجتماعية ترشدهم، وهم يحاولون الإبحار في تيارات عواطفهم الخاصة.

ولا يزال الأميركيون يحبون الكرامة. ولكن أصبحت الكلمة غير مرتبطة بأي مجموعة قواعد أو نظام أخلاقي كبير.

ولكن ليس من الصائب أن أختم بعبارة توحي بالتشاؤم الثقافي، لأن هناك حقيقة وجود الرئيس أوباما. وأيا كانت اختلافات الناس معه حول السياسات، فيمكننا جميعا أن نتفق على أنه يمثل التحفظ والهدوء والصفات الأخرى المرتبطة بالكرامة. ولا تتضح الآثار الثقافية لرئاسته حتى الآن، ولكنها قد تفوق تأثير سياساته. وربما يعيد إحياء مفهوم الكرامة في الجيل الجديد، ويجسد مجموعة جديدة من القواعد للسيطرة على الذات.

*خدمة «نيويورك تايمز»