المعنى المستفاد من قضية ريتشي

TT

لن يؤثر حكم المحكمة العليا في قضية ريتشي ضد دي ستيفانو، التي تعرض فيها رجال الإطفاء البيض لتفرقة غير قانونية عندما ألغي اختبار للترقيات نجحوا فيه لأن عددا غير كاف من السود لم ينجحوا فيه، على ترشيح سونيا سوتومايور لمنصب المحكمة العليا. وعلى الرغم من أنها انقلبت على ريتشي، فإنها محمية من أربعة قضاة معارضين قلبوا جانب القضية التي كانت تنظر فيها وهي قاضية في محكمة الاستئناف. وقد ساعد أيضا سوتومايور إصرار القاضية روث بادر غينسبيرغ على قراءة اعتراضها من على المنصة، وكأنها تؤكد شرعية موقفها، وضمنيا، موقف سوتومايور.

وتركت قضية ريتشي سوتومايور سالمة نسبيا، ولكن من دون إضافة إيجابية. وأوقفت القضية التفرقة الواضحة ضد جماعة عرقية فقط لإلغاء نتائج منحازة عرقيا من دون قصد في إجراءات عمل موضوعية وعادلة (والمقصود بها الاختبارات).

ولا يكفي أن تذكر المدينة، كما فعلت نيو هافين، أنها تخشى من أن تتعرض للمقاضاة من جانب عمال الإطفاء السود. وكان الدليل غير قابل للإنكار بأن الاختبارات أجريت بطريقة منصفة وغير متحيزة. وشارك عمال إطفاء، من الأقلية فقط، في وضع الأسئلة، وأيضا تم تكوين تسع لجان امتحان شفهي كل منها يضم ثلاثة أعضاء، أبيض وأسود وذا أصول لاتينية، (ومثل ذلك الوعي المتطرف للعرق لم يجبرنا عليه قانون الحقوق المدنية)، وكذلك لم يجبرنا، كما فعلت نيو هافين، على إلغاء الاختبار بحجة أنه يمكن إجراء اختبار آخر تكون نتائجه ذات تأثير عرقي أقل. وعارض المدافعون عن النظام العنصري القديم، بقيادة غينسبيرغ، بشدة معلنين أن رجال الإطفاء البيض «ليس لهم حق أصيل في الترقية». وبالطبع ليس لهم ذلك الحق، ولكن لديهم حق راسخ في العدالة، وليس الحرمان من الترقية بسبب لون بشرتهم.

وبالطبع، لا يوجد لأي شخص حق ثابت في الترقي. أليس لذلك السبب وضعت الاختبارات في المقام الأول؟ أليس لذلك السبب كنا في الماضي، منذ 125 عاما، نستعين باختبارات الخدمة المدنية الموضوعية للتعيين في الوظائف الحكومية، وليس على أساس الحقوق أو المحسوبية أو الوساطة أو ميزة تتعلق بالتفرقة العنصرية، ولكن على أساس التميز والمهارات المتعلقة بالوظيفة؟

إن اعتراض غينسبيرغ في الحقيقة هو الذي يمنح حقا راسخا في الترقية، للأميركيين من أصول أفريقية، لمجرد انتمائهم العرقي، ويعطي الفشل في منح هذا الحق المزيف أساسا لحرمان رجال إطفاء بيض (وذوي أصول لاتينية) من الترقي بعد أن تأهلوا في موضوعية للترقية. ويظل هناك غموض في عصر الحقوق المدنية، حيث يحظر التعديل الرابع عشر التمييز على أساس العرق، ولكن يخول قانون الحقوق المدنية، الذي يحظر التمييز «تأثير الاختلاف» في إجراءات مثل الاختبارات التي تكون نتائجها غير متوازنة عرقيا، إلغاء هذه النتائج بسبب التفضيل العرقي. وكتب القاضي أنطونين سكاليا في تأييده للحكم «سيأتي اليوم الذي سيكون من الواجب فيه حل هذا التعارض». وهو على حق، فعلى مدار عقود، كنا نحتال على القضية بفوضى من التسويات والعبارات الملطفة والتضارب والتظاهر مثل منع الحصص العرقية، وتشجيع «الأهداف» العرقية. وعلى أي شخص يريد اتخاذ قرارات تعيين أو قبول أن يدرك جيدا أن 95 في المائة من اختياره ترجع إلى المظهر والإيماءات والأعمال الروتينية لتجنب الدخول في قضايا.

ولكننا سمحنا لجرعة كبيرة من التفرقة المتعمدة من أجل التخلص من التفرقة الماضية، من دون التخلي تماما عن نموذج عدم تمييز اللون.

وما هي النتيجة؟

بعد مرور حوالي نصف قرن على قانون الحقوق المدنية، شهدت الأقليات العرقية تقدما اجتماعيا ملحوظا. وأصبح الجيل الجديد أكثر تسامحا من الناحية العرقية وأكثر قبولا. وقد حققنا تقدما عرقيا كبيرا، ولكن عدم الإنصاف الأساسي الكامن مستمر، وهو ما تسبب في قضية ريتشي.

لقد تجاوزنا تمرير قانون الحقوق المدنية بـ45 عاما. ولدينا وزير عدل أسمر البشرة، ورئيس أسمر البشرة. وفي كل عام يمر ننتقل بالأجيال بعيدا عن عصر جيم كرو، لذا لا يوجد مبرر للحكومة لأن تسمح بتمييز عنصري «علاجي». وهو ما قالته القاضية ساندرا داي أوكونر في أحد آرائها الأخيرة التي كتبت فيها: «تتوقع المحكمة بعد 25 عاما من الآن ألا تستمر التفضيلات العرقية ضرورية».

والفائدة من قضية ريتشي، التي منعت التمييز العكسي، أنها توجهنا من جديد صوب ذلك اليوم، وبالعودة إلى عدم التمييز الحقيقي الذي كان الرؤية الحقيقية والمجد الدائم لحركة الحقوق المدنية.

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»