تروتسكي في نيويورك

TT

ما زلت عند رأيي: السِّيَر الشخصية هي أعظم الروايات. كتب المؤرخ إسحق دويتشر ما قد يكون أهم سيرة لستالين، وقد ترجمها في السبعينات الدكتور فواز طرابلسي، الشيوعي الأخير في بلاد العرب. وكان فواز من أكثر اليساريين التزاما وتزمتا، لأنه جاء من عائلة بورجوازية ميسورة، في حين جاء رفاقه من القرى والأرياف الفقيرة. وكخدمة للعرب والشيوعية الأممية والطبقات الكادحة قرر فواز أن يترجم ستالين، وهو عمل مرهق ومتقن، امتدحته في تلك الأيام ولن أنتقده في هذه الأيام، لأنه لم يبقَ من ستالين «سوى الرواية» كما في صوت فيروز «الباقي في الضمائر» مثل أغنيتها للقدس.

قبل فواز كان الأستاذ كميل قيصر داغر قد ترجم تحفة دويتشر الأخرى: «ليون تروتسكي» وهي أيضا نموذج عالمي في وضع السيرة التاريخية. ولم أعرف الأستاذ، أو الرفيق كميل داغر. لكنه وضع للكتاب مقدمة طويلة يعتب فيها على تروتسكي لأنه لم يحول كل هذه الدنيا (باعتبار لا آخرة عند رفاق ليون) إلى لون أحمر وعلم أحمر وعليه منجل ومطرقة وأقوال الرفيق الأول، فلاديمير إيليتش، المعروف لدى العامة بالاسم المختصر: لينين.

وقد مال الرفاق الشيوعيون إلى اختصار الأسماء: لينين. ستالين. كاغانوفيتش (القائل إن العالم أشبه بجسم بشري يجب إنزال العمليات الجراحية به على الدوام) وتروتسكي. في حين أن البورجوازيين الانحرافيين يفضلون الأسماء كاملة: جورج برنارد شو، والزعيم الراحل جورج إبراهيم الخوري، وعيسى إسكندر المعلوف، جدّ الدكتور فواز لأمه، وأول مؤرخ للمرأة في لبنان. عدت مؤخرا إلى كتاب تروتسكي ـ ترجمة كميل قيصر، دار على الطريقة البورجوازية بحثا عن أوجه الشبه بين المرحلة السوفياتية الأولى والمرحلة الإيرانية الحالية. ووقعت على واقعة لذيذة، إذ يبدو أن الرفيق تروتسكي، وفقا للرفيق دويتشر، وفقا للرفيق كميل، كان قد أمضى شهرين في نيويورك خلال تشرده الطويل من عطف الرفيق ستالين.

في نيويورك، عرف الهاتف للمرة الأولى. وهناك راح يحلم، الرفيق تروتسكي وفقا لترجمة الرفيق كميل، «بما يمكن أن تقدمه الولايات المتحدة للماركسية والاشتراكية: هل ستغدو أوروبا غير مقبرة جميلة؟ هل سيغدو مركز الثقل الاقتصادي والثقافي في العالم أميركيا؟». الغريب في الاشتراكيين الأميركيين أنهم كانوا أغنياء وميسورين. ربما مثل الاشتراكيين العرب. أو أقل ثراء.