ثمن الألم

TT

لا بد لي أن أذكر شيئا للقراء الكرام عن هذا الحادث الذي ألمّ بي في الشتاء الماضي وسبب لي كثيرا من المعاناة. كنت قد ارتقيت مساءً الحافلة رقم 73 في طريقي إلى موعد سوء في متنزه «هايد بارك» بلندن. ويظهر أن الله تعالى كان غاضبا على فعلتي وسوء نيتي فجعل الباص ينطلق بصورة مفاجئة وسريعة أدت إلى سقوطي بعنف على أرضية الباص بما تسبب بإصابة أليمة في ظهري. بالطبع لم أذكر لهم أن الله تعالى هو الذي قدر الانتقام مني على سوء نيتي. وعلى كل فقد هُرع الركاب الشباب لالتقاطي ومساعدتي. أسرعت إحدى الفتيات إلى تخلية مقعدها لي وأجلستني عليه.

عدت إلى البيت وأنا أعاني من آلام شديدة في كتفي وظهري أقعدتني في الفراش لنحو أسبوعين. قضيتهما في تحرير شكوى ضد شركة الباصات في أنها لم تدرّب سائقيها تدريبا جيدا يحول دون وقوع مثل هذه الحوادث. وكان عليه أن يوقف حافلته ويهم لفحص الرجل الملقى على الأرض والتأكد من أنه ما زال حيا يرزق ولم يمت بعد. بالطبع لم أذكر لهم أن الله تعالى هو الذي قدر علي ذلك الحادث انتقاما مني عن سوء نيتي.

كتبت كل ذلك وطالبت الشركة بتعويضي عما عانيته من ألم وما فات عليّ من أمسية ممتعة. ويظهر أن محامي الشركة لم يلاحظ اسمي العربي، خالد آل قشطيني، ويتصور أنني قد كذبت عليه في شيء أو يتذكر أن الافتراءات والادعاءات الكاذبة والمبالغات السخية جزء من تراث هذا الرجل. فصدّق كلامي على عادة الإنجليز. تسلمت منه بعد بضعة أسابيع رسالة يأسف ويعتذر فيها عما أصابني من وجع وفاتني من واجبات. ثم عرض عليّ تعويضا عن كل ذلك بمقدار ستة آلاف جنيه إسترليني. ذكرت ذلك لصديقي المستشار القانوني عبد المنعم الخطيب. فقال لي: ارفض ذلك. طالبهم بمبلغ أكبر وادخل الدعوى في المحاكم وبيدك العكازة. حالما سيرى القاضي صلعتك البهية وشيباتك الزكية وعكازتك في يدك اليمنى سيحكم لك بأضعاف هذا المبلغ. فتشتري به سيارة مرسيدس فضية تتباهى بها بين اللاجئين العرب وتغري الحسان بالركوب فيها معك.

أجبته قائلا: يا عزيزي أبو نصير، أنا من المؤمنين بأن القناعة كنز وعصفور في اليد خير من عشرة في الغد. قبلت الاعتذار ووافقت على التعويض وتسلمت الشيك بعد بضعة أيام. ولم أشتر به أي سيارة، مكتفيا بالبايسكل الذي أستعمله.

وهكذا نجد أن وجع يوم في لندن خير من كتابة ستين مقالة للصحافة العربية وأشرف بدون شك من سرقة عشرين مليون دولار من أموال الشعب العراقي، أو أي شعب قاصر آخر لا حول له ولا قوة إلا بالله.

وهذه مقالة أخرى أكتبها في تحليل وتفسير لماذا يبرح المواطن العربي بلده وتهاجر الأدمغة والمواهب العربية إلى الغرب.

www.kishtainiat.blogspot.com