العامل الخارجي في زعزعة إيران

TT

بالتأكيد الزلزال السياسي الذي هز إيران صناعة محلية كاملة، رغم محاولات النظام الإيراني تخوين خصومه وإقناع شعبه بأن التظاهرات من فعل مؤامرة خارجية. تصرف متوقع أن تستخدم حكومة نجاد التهمة الخارجية ذريعة، خصوصا أنها ترفض إعادة الانتخاب، وحتى فرز الأصوات، مغامرة باستقرار البلاد.

لكن هذا لا يجعل العامل الخارجي طرفا قد يدخل في وقت لاحق لأسبابه الخاصة، فخصومات إيران الخارجية كثيرة، وأعداؤها على استعداد لفعل أي شديد لقلب النظام، أو على الأقل زعزعته. ونحن نعرف أنه لا يوجد نظام محصن من التأثيرات الخارجية، خصوصا في لحظات ضعفه ووجود انقسام داخلي عادة يفتح البوابات للتدخل الخارجي. المؤكد أن الهزات الإيرانية حتى الآن محلية، والدخول على خط الأزمة لم يحدث بعد لكنه محتمل، وشبه مؤكد ما لم تظهر إيران مرونة في معالجة ملفات الخلاف العديدة مع القوى الدولية والإقليمية. على المرشد الأعلى وبقية الجالسين على كراسي الحكم أن يختاروا، إما أن يقدموا تنازلات لخصومهم في الداخل أو تنازلات لخصومهم في الخارج. عليهم أن يقبلوا بتصحيح الوضع السياسي ومنح المعارضة جزءا أساسيا من السلطة، أو التراجع عن تخصيب اليورانيوم والامتناع عن نشر الفوضى في المنطقة. دون أن تتنازل السلطات في طهران لأحد الفريقين، الداخلي أو الخارجي، فإنها ستصبح في فكي كماشة ستزيد من ضعفها ومخاطرها.

ولا نبالغ عندما نقول إن هذه المرة الأولى التي تظهر فيها الحكومة الإيرانية ضعيفة، بعد أن عودت الجميع على صلافتها، وغرورها، وتحديها، ومبالغتها في مطالبها التي تزيد في كل اجتماع ولا تنقص. بنفس العقلية الفوقية عالجت أزمة المعترضين على نتائج الانتخابات، فبدل محاولة احتواء المشكلة بالمشاركة أو المراجعة أو الوساطات الجادة، اختارت تحديهم حتى أفلتت الأمور من عقالها ولم تعد تعرف كيف يمكن إطفاء النار الداخلية.

وليس سرا أن ضعفها الظاهر يستقبل بسعادة علنية من الأوروبيين والأميركيين الذين شددوا لهجتهم ضد إيران في قمة الدول الثماني، وأبدت روسيا شيئا من المرونة في مقايضة السلاح الإيراني بصفقة أخرى مع الولايات المتحدة، وطأطأت الصين رأسها لها.

ما قد يحدث لاحقا في طهران بين الإيرانيين يظل عاملا أساسيا في الحسابات الخارجية. المعروض اليوم على إيران هو إنهاء المقاطعة الاقتصادية، ومساعدتها في تأمين الوقود النووي السلمي، مقابل وقف التخصيب. الغريب أن منوشهر متكي، وزير الخارجية الإيراني، لا يزال يكابر ويتحدث كما لو أن صحة حكومته اليوم مثل الأمس، معلنا أنه يريد إدخال المطالب الإيرانية الإقليمية في حزمة المقايضة. الوضع الجديد أن الأميركيين وبقية الرفاق ليسوا وحدهم غاضبين من أحمدي نجاد، بل يشاركهم ملايين الإيرانيين نفس الشعور.

النظام الإيراني المرتبك جدا في مواجهة التطورات الخطيرة ربما لم يدرك بعد أن تهمة التدخل الخارجي قد لا تكون مجرد فزاعة لتخويف المعارضة، بل يمكن أن تصبح حقيقة. فالخارج قادر على زعزعة النظام إن قرر ذلك كمشروع سياسي لإضعافه في المفاوضات، وقطع الطريق على تدخلاته في العراق وأفغانستان ولبنان وفلسطين واليمن وغيرها من المواقع التي لا يخجل من المجاهرة بالتدخل فيها في ما يسميه حقه في مد نفوذه وتضمينها المساومة السياسية.

[email protected]