جريمة تخلف لا جريمة شرف

TT

الجريمة التي ارتكبها شاب عشريني في الرياض بقتل شقيقتيه رميا بالرصاص أثناء خروجهما من «دار رعاية الفتيات» بعد إطلاق سراحهما على أثر القبض عليهما في خلوة غير شرعية، تعد في نظري جريمة جهل وتخلف لا جريمة شرف، فهذا الشاب ضيق الأفق أزهق روحين في قضية لا تحتمل مثل هذه العقوبة، ولست أدري في أي ظرف اجتماعي شديد القتامة تشكل تكوين ذلك الشاب النفسي على هذا النحو من الاضطراب، والتخلف، والجنون، وإن كنت أدرك أن ثمة دوائر ضيقة لا تزال تنظر إلى المرأة كـ«مجرد» عار وخطيئة وفضيحة، وفي إطار مثل هذه النظرة ربما توهم ذلك الشاب، جهالة، أنه يغسل عاره بهذا السلوك الإجرامي رغم أن العار الحقيقي يتمثل في بلادة عاطفته تجاه شقيقتين تستحقان الحياة والرعاية والنصيحة.

وفي تقديري أن أي تساهل مع هذا الشاب في العقوبة سيفتح بوابة هذا النوع من الجرائم على مصراعيه، وسنجد أنفسنا في دوامة فهم غير ناضج يتعامل مع أخطاء الفتيات بالموت، وقد عانت بعض الدول القريبة منا من طغيان هذا النوع من الجرائم، التي تصنف كجرائم شرف يحظى مرتكبها بالحد الأدنى من العقوبة، وتتعالى اليوم صيحات العقلاء في تلك الدول مطالبة بتشديد العقوبات للقضاء على هذا النوع من الجرائم.

وفي مواجهة هذه الجريمة تثار الكثير من تداعيات الأسئلة مثل: هل ثمة حاجة لإعادة تقييم أو تطوير أسلوب التعامل مع الفتيات في بعض القضايا كالخلوة غير الشرعية؟ مع الأخذ في الاعتبار ردات الفعل غير الراشدة من بعض أفراد الأسرة عند إبلاغها. وكيف يمكن تعميق الصحة النفسية لدى الشباب بصورة تحد من الانفعالات غير الناضجة؟ وما مدى إسهام المناهج المدرسية في تغيير نظرة البعض إلى المرأة كعار وخطيئة، والتعامل معها كإنسان عرضة كغيره للوقوع في الخطأ، لكي لا تتجاوز العقوبة الذنب؟ ومن منّا بلا خطيئة؟

وأنا أعول كثيرا على وزارة التربية والتعليم في تصحيح المفاهيم الخاطئة، فهي مسؤوليتها في الدرجة الأولى، وعلى دورها في هذا المجال تنعقد الآمال في تطوير وتغيير بعض العادات والتقاليد التي تؤدي إلى ارتكاب مثل هذه الجريمة، فالتغيير الحقيقي يبدأ من المدرسة، خاصة حينما تغدو الأقوى والأهم ضمن منظومة العوامل التي تؤثر في الفرد، وتسهم في تشكيل تكوينه النفسي.

[email protected]