مصنع ورق

TT

قصة نجاح الوزير اللبناني الراحل جورج افرام معروفة جدا، لكن من المفيد روايتها من جديد لشدة ما هي مقتضبة. لقد جاء افرام يافعا للعمل في المملكة في وظيفة مكتبية بسيطة. وذات يوم توجه إلى دكان قريب ليشتري طعاما، فأعطاه البائع الوجبة ملفوفة بورق عادي. فسأله لماذا لا يضعها في كيس، فأجاب لأن لا أكياس هناك.

عاد افرام إلى عمله مصمما على جمع الرأسمال لافتتاح مصنع للورق. وكانت تلك بداية إمبراطورية صناعية تشمل السعودية ولبنان وأميركا وأوروبا. كان يفترض أن يخلفه في البرلمان الجديد ابنه نعمت، لكن سياسات لبنان حالت دون وصول نائب يوظف نحو 6 آلاف لبناني. دخل البرلمان شاب في مثل سنه هو روبير فاضل. وكان والده موريس فاضل قد بدأ حياته في دكان صغير في بيروت، وتوفي عن 81 عاما في حزيران، وعن إمبراطورية مالية هي مخازن «ا.ب.ث».

كنت أتمنى أن تكون نسبة تمثيل أهل الإنتاج في البرلمان أوسع بكثير. نحن مجتمعات غير عاملة وغير منتجة. وقد صعقني ابني عندما سألني مرة وهو صغير «لماذا لسنا أغنياء». لم أدر بما أجيب سوى أن أسأله ما هو الشيء الذي يريد شراءه. وعندما كبر كان آباء رفاقه الأغنياء يعملون جميعا في صناعات منتجة: واحد يملك أكبر شركة للعصير، وواحد يملك أكبر شركة للمفروشات، وواحد يملك مصنعا للأدوية. ولا يزال والده، والحمد لله، في غنى عن الطلب وفي غنى معنوي لا ثمن له. لكنه، مثل ثلاثة أرباع العرب، ليس ضمن الفئة المنتجة من الناس. إنه يتحدث في السياسة ويكتب فيها وله خواطر في الأدب. لكن عمله هذا لا يوظف ولا يشغل أحدا سواه. انصرف ملايين العرب إلى تجارة الأسهم التي لا تتطلب أكثر من متابعة الشاشة الصغيرة. الصناديق السيادية العربية تشتري حصصا في مصانع أوروبا وأميركا وآسيا ولا تحاول إقامة مصنع محلي واحد. باستثناء نموذج «آرامكو» السعودية المذهل، وبعض الحالات الأخرى في المملكة، يبحث المال العربي عن أرباحه في المصارف والمخازن والجواهر والوكالات التجارية والأسهم. وقبل أن ندخل عصر الإنتاج سوف نظل خارج كل العصور.