لست ضليلا ولكني ضال!

TT

لا أشرب ولا أدخن ولا أتعاطى المخدرات ـ لا اليوم ولا في أي يوم. ولا أعرف إلا السباحة في بحار الأرق ووسط عواصف القلق.. وتمضي الليالي، والله العظيم، لا أعرف إن كنت نمت أو توهمت ذلك. فأنا لا نائم ولا يقظان ولا شبعان ولا جوعان ولا سعيد ولا ندمان.. وإنما أنا كده! وبس. ما اسم هذه الحياة؟ ليست حياة. ما اسم هذا الموت؟ ليس موتا. وإنما (كدهوه) وهذه (الكيدهوية) هي حياتي الفلسفية التي أدعي أنني أحترفها أو هي اختارتني نموذجا لما لا يجب أن يكون عليه الإنسان المستنير ـ ولما سألوا الشاعر الفارسي سعدي في كتابه (بستان الورد) كيف تعلمت الأدب؟ قال: من واحد قليل الأدب كلما فعل شيئا امتنعت عنه!

وأنا أيضا كلما وجدت أحدا هادئا آمنا راضيا قانعا عنده قناعة في العلم، فعلت عكس ذلك.. ولا أعرف إن كنت أنا الذي فعلت.. أو أن الظروف قد اتخذت قرارا جماعيا بأن أكون صورة لما لا يجب أن يكون عليه الإنسان..

تصدق بالله؟ في إحدى المرات خاطبت الله، سبحانه وتعالي: يا رب إن كنت كتبتني في أم الكتاب عندك أراجوزا فلسفيا أو بهلوانا أدبيا أو نكسة وجودية فارحمني يا رب.. إنني لا أستحق هذا العقاب. فأنا أحب أمي ولا أزال أبكي عليها من أربعين عاما، لا جفت الدموع، ولا سكن القلب، ولا انعدم الندم. من أجل أمي وحبي لها ارحمني يا رب. فالذي تعلمته لم ينفعني. والذي جربته لم يسدد خطاي. هل ضللت أنا؟ لا وحياتك يا رب. وإنما أحاول في كل اتجاه. وإذا كنت لم أبلغ شيئا فلأن قدمي قصيرة وعيني ضعيفة وسمعي ثقيل وفهمي بليد.. وقد ازدحمت كل الطرقات إليك بملايين من علامات الاستفهام الفلسفية وعلامات التعجب الفلكية، فأنا حائر في غابات الدهشة.. ولست ضليلا ولكني ضال. ولست كافرا ولا ملحدا ولا مرجئا. وإنما حار دليلي إليك.. وترددت خطاي.. وضاع من قدمي الطريق وضاعت بوصلتي من عشرات السنين.. إلا إذا كانت هذه حكمتك.. فلا راد لقضائك وقدرك وأنت أعلم وأرحم..