«هيبلي» فاتيكان اسطنبول!

TT

«هيبلي» هي واحدة من أهم وأجمل جزر الأميرات القريبة من الساحل الاسطنبولي. بضعة كيلومترات من المساحة التي يميزها موقعها السياحي إلى جانب دورها التاريخي، حيث كانت حتى الأمس القريب تجمع غالبية من الروم الأرثوذكس وإحدى أهم دور عبادتهم، مدرسة الرهبان، التي خرّجت مئات رجال الدين منذ عام 1844 والعديد من البطاركة الذين قادوا الكنيسة الأرثوذكسية في العالم.

قرار المحكمة الدستورية التركية عام 1971 بتوحيد برامج التدريس وربطها بوزارة التربية وضرورة إشراف الدولة عليها ألزم رهبان الجزيرة بفقدان الاستقلالية التي كانوا يتمتعون بها، حيث تغاضت السلطات التركية لسنوات عن تطبيق مواد بنود اتفاقيات لوزان المتعلقة بالأقليات والموقعة بهذا الشأن. وهكذا أغلقت المدرسة أبوابها لتتحول يوما بعد آخر إلى غصة في علاقات تركيا بجارتها اليونان، أولا: حجر عثرة تعترض طريق أنقرة باتجاه الاتحاد الأوروبي. ثانيا: وسيلة ضغط تستخدمها روسيا وأميركا في بعض الأحيان في وجه تركيا كما فعل الرئيس الأميركي الجديد أوباما حين التقى برأس الكنيسة بارتولوميوس في اسطنبول وجدد أمامه موقف بلاده في ضرورة فتح أبواب هذا الصرح التزاما بتعهداته للجالية اليونانية القوية في الولايات المتحدة والتي اشترطت عليه إدراج هذا البند ضمن برنامجه الانتخابي قبل التصويت إلى جانبه.

«هيبلي» هي الملف الحاضر ـ الغائب، فرقت بين الأتراك الذين انقسموا بين مؤيد داعم لرفع القيود القانونية والسياسية أمام إعادة فتح أبواب هذا الصرح الذي لا بد من تنفيذه عاجلا أم آجلا كشرط لا بد منه على طريق العضوية التركية في المجموعة الأوروبية، وبين جهة معارضة تحذر من أن التساهل في مثل هذه المسألة سيشكل حافزا للجماعات والطرق الدينية في تركيا لتطالب بامتيازات مماثلة في الاستقلالية والذاتية، مما يعني الخروج عن الأسس العلمانية التي تبنتها البلاد منذ مطلع العشرينات مع إعلان الجمهورية.

رجب طيب أردوغان ربط من جانبه بين السماح للمدرسة بإعادة ممارسة فعالياتها وبين ضمانة المعاملة بالمثل التي يجب أن يستفيد منها مسلمو البلقان وآسيا الوسطى وتحديدا أتراك اليونان التي لم تتوقف أثينا حتى الساعة عن اتباع سياسة التذويب ومسح هويتهم الإسلامية وحرمانهم من أبسط حقوق حرية العبادة والتعبير. وهو رفض كل ما يقال بشأن اتفاقيات سياسية بين أنقرة وبروكسل يجري التحضير لها وألمحت إليها وزيرة الخارجية الأميركية كلينتون أخيرا حول السماح لمدرسة الرهبان بفتح أبوابها مقابل التخلي الأوروبي عن محاولات الضغط على تركيا لناحية فتح مرافئها أمام الملاحة لسفن قبرص اليونانية.