خدش في الطبق الصيني

TT

المذبحة التي تعرض لها المسلمون اليوغور في شمال غرب الصين حدث مؤسف ليس تعاطفا مع أقلية مسلمة تعرضت لمظالم حقيقية وتضييق على عيشها وكرامتها فحسب، ولكن لأن العالم الإسلامي لا ينقصه فتح جبهات صراع أخرى مع دول إقليمية كبرى، وهو الذي لا يزال يضمد جراحه بعد المواجهة مع كبرى الدول العظمى في العراق، وجراحه ما برحت تنزف في مواجهات أفغانستان التي شهد ثراها نقطة تماس ساخنة مع قوتين عظميين: الروس في السبعينات، وأميركا ومعها دول التحالف في التسعينات وبداية الألفية.

وهذا ما يفسر صمت دول إسلامية عن التعليق على أحداث الصين، ليس جبنا في انتقاد التنين الصيني، ولكن أملا في أن تتوقف أحجار السور العظيم من التساقط على ظهور الأقلية المسلمة في تركستان الشرقية فتخرج عن السيطرة وتكون المضاعفات أكبر، إذ إن ملف الأقليات عموما والأقليات الإسلامية في الدول غير الإسلامية بالغ الحساسية لا يصح أن يتم التعامل معه بروح التجييش والعاطفة مهما كانت مرارة الأحداث، ثم إن هذه الأحداث المؤسفة جاءت متزامنة مع دعوات الحوار العالمية التي كان الملك عبد الله بن عبد العزيز لاعبا رئيسا فيها، وعززها خطاب أوباما الأخير من أجل إثبات بطلان نظرية صراع الحضارات، كل هذا صحيح لكن التمادي في الظلم من شأنه أن يكسر الحواجز والأعراف الدبلوماسية.

هذه الأحداث الدامية وضحاياها من مسلمي اليوغور في هذا الإقليم الذي تسيطر عليه الصين يستدعي الحديث عن الإرث التاريخي للصراع بين الصين والعالم الإسلامي، فهذا الصراع وإن وجد إلا أنه ليس بمرارة وطول الصراع مع العالم الغربي، صحيح أن التتار هم الذي قضوا بالضربة القاضية على الخلافة العباسية، لكن هذه الهجمة لا تعدو على الرغم من وحشيتها ونتائجها المدمرة أن تكون غزوا همجيا لم يكن للعقيدة والفكر فيه أي دور ولهذا انتهى الغزو بإسلام الغزاة، ونقطة التماس الأخرى مع العالم الإسلامي أن الصين تسيطر على أقاليم مسلمة بالكامل مثل إقليم تركستان الشرقية والذي كان يقطنه المسلمون لا يكاد ينافسهم فيه أحد، إلى أن تلاعبت السلطات الصينية بالعامل الديموغرافي فأمرت ملايين الصينيين بالهجرة إلى هذا الإقليم، ومنهم عرق الهان الذين هاجموا الأسبوع الماضي اليوغور المسلمين فقتلوا منهم أكثر من 180 حسب الإحصاءات الصينية!

ومع هذا كله فالعالم الإسلامي في الواقع لا يحس بعدائية تجاه الصين وليس ثمة مرارات تاريخية عالقة، بل على العكس فهو يراها متعاطفة مع قضاياه المصيرية خاصة قضية فلسطين، بل لا أتجاوز الحقيقة إذا قلت بأنه يستشرف المستقبل ليرى فيها إحياء لسنة المدافعة التي اندثرت مع تفكك الاتحاد السوفيتي لتستفرد أميركا بالعالم الإسلامي ويجري في فلسطين والعراق وأفغانستان وجنوب لبنان ما جرى، والصين بالتأكيد المرشح الأقوى للعب هذا الدور، فاستعداؤه تفريط في حليف مرتقب.

وفي ذات الوقت فالصين مع التقدير لقوتها العظمى تظل مثل أطباقها قابلة للكسر، لا أقصد التهوين من قوتها العسكرية والاقتصادية الضخمة، ولكن لأن اقتصادها العملاق يمثل العالم الإسلامي أحد شرايينه المغذية فأي تماد في اضطهاد الأقلية المسلمة اليوغورية أو تشجيع أغلبية الهان سيعرض مصالحها الاقتصادية للضرر، والحكومات الإسلامية وإن سكتت للاعتبارات السابقة فالشعوب المسلمة قادرة على مقاطعة البضائع الصينية، فالذي استطاع أن يجعل الزبدة الدنماركية تسيح قادر على أن يخدش الطبق الصيني.

[email protected]