وصفة موسيقية

TT

جاء في تقرير علمي وطبي ورد من كندا مؤخرا أن الموسيقى تشفي النفوس، تخفض ضغط الدم وتنظم نبض القلب وتحسن نفسية المرضى فتساهم بالشفاء العاجل. الحقيقة أنه لم يكن لمثل هذه الدراسة أي لزوم، فحتى القبائل المتوحشة في أفريقيا عرفت ذلك واستعملوا الطبول في معالجة المعتلين. وفي أوربا القرون الوسطى اعتادوا على استعمال أنغام التورنتلا الراقصة في العلاج. ولكن في هذا الزمن لا نطمئن على شيء دون تقارير من أساتذة وعلماء.

هناك الآن فرع كامل معترف به في المعاهد الطبية يعرف بالعلاج الموسيقي Music Therapy، وله مختصون يمارسون هذا العلاج. وينصحون المرضى بتعلم عزف بعض الآلات الموسيقية المناسبة أو الاستماع إليها. التقيت بأحدهم وسألته في الموضوع: على أي فرع من الموسيقى تعتمد؟ قال: الموسيقى الكلاسيكية دون شك، وبخاصة مؤلفات موتزارت، نسمعها غالبا في غرف الانتظار لعيادات كبار الأطباء في هارلي ستريت. كنت أسمعها عند زياراتي للبروفسور روزويك، وكانت الشيء الوحيد الذي لم يضِف أجرته على الفاتورة.

بيد أن هناك إشكالية بالنسبة إلى المرضى العرب، فأكثرهم لا يتذوقون الموسيقى الكلاسيكية، وقد تسوء صحتهم ويحصل لهم نزيف أو جلطة مميتة عند سماعهم لها، وعليه فيبدو أن هذا دواء غير مفتوح للعرب. فالغناء العربي الذي اعتدنا عليه مضر للصحة، فهو يهيج المشاعر ويثير العواطف ويدمع العيون و«ينرفز» الأعصاب. أعرف رجلا كان يضرب رأسه بحذائه طربا عندما يستمع لأم كلثوم. الكثير من بناتنا ينتابهن البكاء عندما يسمعن فريد الأطرش يغني «سافر مع السلامة وارجع لنا بالسلامة». سمعت عن امرأة عجز الأطباء عن إجهاض جنينها غير الشرعي، ولكنها أسقطته بعد أقل من خمس دقائق من سماع أغاني رشيد القندرجي. وأعتقد أن كثرة الإصابة بقرحة المعدة عندنا تعود إلى أغاني المطربين العرب وليس بسبب كبة البرغل أو الخروف المحشو كما قد يتصور البعض. فضلا عن ذلك، أشعر بأن الإيقاعات العربية لا تنسجم مع ضربات القلب، وإلا لأعطانا الله تعالى قلوبا بشكل الدمبركة. وهذا مثال آخر من عكوسيتنا وتناقضنا مع أي شيء مفيد، أي شيء مفيد.

هذه إشكالية. ومع ذلك فالله رحيم بالعباد ولا يوصد باباً إلا ويفتح آخر. أعتقد أن موسيقى الآلات الوترية وموسيقى الناي يمكن أن تقوم بهذه الرسالة العلاجية، فما أحلى وأصفى وأهدأ العزف المنفرد على أوتار العود أو فم الناي، سواء في الاستماع إليه أو في العزف عليه. هذا ميدان يتطلب الكثير من الدراسة، إنه مهمل، بل ولا وجود له. أعتقد أن الالتفات إليه لن يشفي فقط أمعاءنا من القرح وعقولنا من العنف والعته وجيوبنا من الصرف، بل وربما أيضا ينجينا من رعونة البعض وكلامهم الفارغ.

www.kishtainiat.blogspot.com