إيران.. من عوامل الضعف

TT

بعد فشل محاولات نظام الفقيه تشويه صورة الاحتجاجات الكبرى التي قادت إلى ثورة بيضاء قمعت بالقوة، بربطها بمشاريع وخطط خارجية، وتقوقع وسُبات الذيول خارج إيران، انتقل إلى مرحلة التصعيد في الملف النووي لمحاولة صرف الأنظار عن براكين الغضب الشعبي. ففي خضم الأزمة رفض رئيس أركان الجيش التفاوض حول النووي مع الدول الأوروبية لأنها فقدت الحيادية على حد زعمه. مما عمق الهواجس والشكوك القوية بطبيعة البرنامج العسكرية، وإلا ما علاقة قائد عسكري بمسألة سياسية؟

وحسنا فعلت قمة الدول الثماني بإمهال إيران حتى شهر سبتمبر للتقدم بالملف النووي، بعد أن حدد الرئيس الأميركي باراك أوباما مهلة طويلة تصل إلى نهاية العام الحالي للرد على موقف إيران. وحسنا فعل أوباما بطرحه ورقة على مائدة الرئيس الروسي تربط بين الدفاع الصاروخي والملف النووي الإيراني.

ويبدو أن إيران تدفع إلى تصعيد عسكري خارجي (محدود) للملمة أوضاعها الداخلية. وفي كل الأحوال فإنها تخطئ الحساب كالمعتاد، فنقاط ضعفها أكبر وأكثر كثيرا من نقاط القوة، ولنأخذ جوانب منها:

النقص التكنولوجي الكبير والفجوة الساحقة بين المعدات القتالية الإيرانية والغربية، وإذا كانت يوغسلافيا المتقدمة كثيرا على إيران، لم تستطع إلا إسقاط طائرة واحدة، ربما نتيجة الصدفة، ولم يتمكن العراق من إسقاط طائرة واحدة خلال حرب 2003 فإن الدفاع الجوي الإيراني ليس في حال يختلف كثيرا عن دفاع الدولتين. وكل ما يقال عن طائرات شبح إيرانية بمدى يصل إلى أكثر من ثلاثة آلاف كيلو ليس إلا دعاية زائفة تزيد من الضغوط عليهم. ويستحيل على دولة بسعة أراضي إيران وتعدد اتجاهات التهديد المحتملة، وضعف قدراتها الفنية وإمكاناتها، غلق كل الثغرات المؤدية إلى أهداف منتشرة، خصوصا مع توافر قدرة الهجوم عن بعد لدى الطرف الآخر من خارج دوائر الدفاع الجوي.

أي مجابهة عسكرية بين إيران والمجتمع الدولي لن تكون برية، بالمطلق، لذلك فإن القوات البرية الإيرانية ستكون معطلة بالكامل،

كان نظام «الفقيه» يتشدق بقوة وتماسك جبهته الداخلية، وهو ما أصبح من قياسات الماضي. فضربة محدودة ستعزز وجهة نظر قوى المعارضة بتهور النظام ودفع البلاد للتصادم مع العالم مع إدانته للضربة في الوقت نفسه، أما إذا تحولت الضربة إلى عمليات واسعة بسبب تهور عسكري إيراني فسيؤدي ذلك إلى توفير ظروف ثورة داخلية كبرى يستحيل على النظام احتواؤها،

في فترة ما قبل الانتخابات كانت للمرشد هالة دعائية كبيرة، فهو الولي الذي يجب الالتزام بما يقول، أما الآن فتغير الحال إلى درجة أصبح فيها المرشد موضع نقد لاذع على مستوى الشارع. وعلى سبيل الذكر عملت أجهزة الحرب النفسية العراقية على إخراج الخميني من هالة نفسية ودينية.. أحيط بها. ففي مرحلة ما كان كثيرون يخشون المساس به خشية أن يصيبهم عقاب (رباني)، وتمكنت الحرب النفسية العراقية من كسر جمود مثل هذه الأفكار.

داخليا، قوات الباسداران ليست قوة عقائدية، عدا مفاصل قيادية منها على أسس غالبها مصلحي، وفي الظروف الاستثنائية الصعبة يفقد الكثير من المفاصل القيادية التأثير على أطراف القوات، فتنتقل الانقسامات الشعبية إلى القوات المسلحة بكل فروعها، فينهار النظام بحالة لا تقل مفاجأة عما فوجئت به أطراف مختلفة خلال الاحتجاجات الانتخابية.

إيران دولة متعبة اقتصاديا ومعزولة سياسيا، وأي تشديد وفرض جدي لعقوبات اقتصادية سيقود إلى مشكلات داخلية عويصة تتضاعف فيها قدرة المعارضة على التغيير.

من الخيارات المتداولة الآن التعويل على عقوبات صارمة وتأييد علني مفتوح لقوى المعارضة الديموقراطية، مع عدم استبعاد الخيارات العسكرية في حال حصول تقاطع مع الوقت المقرر لإنتاج سلاح نووي، وفي كلا الخيارين لن يستطيع نظام الفقيه الصمود وسيكون انهياره أسرع من المتوقع. وليت المخابرات العالمية تطلق تقييماتها علنا كما أعلن الرئيس القذافي تقييمه الدقيق العام الماضي. فهل يتعظ نظام خامنئي؟

[email protected]