إصلاحيو حركة تيانامين

TT

منذ عقدين، في مايو (أيار) 1989، كنت طالبا في العشرين من العمر وأدرس التاريخ في جامعة بكين. وفي 13 يونيو (حزيران)، كان اسمي يتصدر قائمة أكثر 21 زعيما طلابيا «مطلوبا» في حركة تيانامين الديمقراطية. وتم اعتقالي وأمضيت حوالي أربعة أعوام في المعتقل، ثم أعيد اعتقالي عام 1995، ثم نفيت إلى الولايات المتحدة في عام 1998. وقد أفرج عن المذكرات السرية لزهاو زيانغ، الأمين العام للحزب الشيوعي الذي خسر صراع السلطة أمام المتشددين عام 1989، الذي توفي وهو قيد الاعتقال المنزلي. وتكشف كتابات زهاو عن قناعته بأن مطالبنا من أجل الإصلاح الاقتصادي وحقوق الإنسان ليست معقولة فقط، ولكن كان من الممكن أن تسرع من عملية الحداثة في الصين.

وكنت أعتقد وقتها وأعتقد الآن أن الإصلاحات التي ندافع عنها أنا وزملائي من الطلبة هي التحديات المحورية التي تشكل مصير الصين اليوم.

وقد مرت 20 عاما منذ خروج مظاهراتنا المشهودة في ميدان تيانامين من أجل الديمقراطية وحرية التعبير عن الرأي وضد الفساد. وفي أثناء هذه الفترة، شهدت الصين تغيرات مهمة. وسمحت الإصلاحات الاقتصادية لملايين من الصينيين بانتشال عائلاتهم من الفقر ووجد الكثيرون في الصين أن حياتهم تغيرت للأفضل. ولكن ظلت القضايا المحورية التي كان جيل تيانامين، من طلاب ومواطنين، يدافع عنها: من قضاء على الفساد وحقوق عمال وحرية التعبير والحاجة إلى الإصلاح الحكومي من أجل تلبية احتياجات شعب الصين البالغ عددهم 1.3 مليار شخص.

واليوم في الصين، يعد الفساد متوطنا لأن الحزب الشيوعي الصيني وشبكته الكبيرة من المسؤولين فوق القانون. وما زال العمال يتعرضون لانتهاكات حقوق إنسان، وهي المشكلة التي من المرجح أن تزداد مع تأثير التراجع الاقتصادي العالمي على المصانع، وعودة عدة ملايين من العمال المهاجرين إلى البلاد. وتعد رقابة الحكومة الصينية على حرية التعبير مصدر خوف أساسي في الوقت الذي منحت فيه شبكة الإنترنت مكانا للتعبير لكل من الشباب والنقاد.

ولم يؤد النمو الاقتصادي الصيني إلى الحرية أو حرية التعبير أو الديمقراطية. وعلى النقيض، مثل دينغ شياو بينغ وجيانغ زيمين من قبله، تعلل الرئيس الصيني هو جين تاو بالتنمية الاقتصادية لتبرير قمع مظاهرات تيانامين ومن أجل الحفاظ على حكم الحزب الواحد.

وقد أفاد النظام، الملطخ بالفساد، قلة مميزة، وأصبح أمناء الحزب المحليون رأسماليين في يوم وليلة واستخدموا سلطتهم السياسية من أجل جمع أموال طائلة من الأرباح التي تدرها المشروعات المملوكة للدولة.

وقد أصابت مظاهراتنا في ربيع عام 1989 وترا حساسا لدى الشعب الصيني. وفي غضون أسابيع، اندلعت المظاهرات السلمية في جميع أرجاء المدن الكبرى، لتضم، بالإضافة إلى الطلاب، عمال المصانع وأكاديميين وحتى العاملين في الصحف والمحطات التلفزيونية المملوكة للدولة. وبالنسبة لي، كانت تلك أكثر اللحظات الباعثة على الفخر في تاريخ الصين الطويل. ولأول مرة في حياتنا، يجرؤ العامة على ممارسة أهم حق من حقوق الإنسان: حرية التعبير.

وفي ليلة 3 يونيو (حزيران)، تحرك الجيش لإخلاء ميدان تيانامين، وأصبحت الإجراءات العسكرية المترتبة على ذلك صفحة أخرى ملطخة بالدماء في تاريخ الصين المضطرب. وما زلنا لا نعلم أعداد القتلى الذين سقطوا في الميدان. وقد أعلنت الحكومة أن جنودا وبعض المواطنين قتلوا، ولكن لدينا صورا لمئات من المتظاهرين الصرعى بطول شارع تشانغان، ولجثامين في المشارح في مستشفيات بكين.

وفي القرن الماضي، شاهدت من بعيد الصين وهي تعيد تأكيد دورها على الساحة العالمية. وأصبح نموها الاقتصادي مثيرا للإعجاب. وفي العام الماضي، أعطت دورة الألعاب الأوليمبية التي أقيمت في بكين للصين صورة عالمية تريدها القيادة بوضوح من أجل الشرعية.

ولكن ماذا عن الرقابة على وسائل الإعلام، التي ساهمت في زيادة أعداد ضحايا فضيحة اللبن الملوث؟ وماذا عن الفساد الحكومي، الذي أدى إلى عمليات البناء الرديئة في سيشوان والتبعات المدمرة التي وقعت أثناء زلزال العام الماضي؟ وماذا عن الفجوة المتزايدة بين الأغنياء والفقراء؟ تظل تلك القضايا، التي أثارها الطلاب في ميدان تيانامين منذ 20 عاما، بلا حل.

وتتقيد سلطة الصين بـ«يانغ»، أو القوة الخشنة الممثلة في القدرة العسكرية والاقتصادية؛ بينما في القرن الواحد والعشرين، تعتبر «ين»، أو القوة الناعمة التي تعتمد على المبادئ الأخلاقية وحقوق الإنسان، ذات أهمية مماثلة.

ولا يتوق الشعب الصيني فقط إلى تحقيق مصالح اقتصادية ولكن أيضا إلى التمتع بحقوق الإنسان الأساسية. وقد حاز بيان رسمي مؤيد للديمقراطية يحمل عنوان ميثاق 08، والذي نشر على شبكة الإنترنت في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بالفعل على آلاف التوقيعات على الرغم من كل الجهود التي تبذلها الحكومة الصينية لمنع نشره ومعاقبة واضعيه. وقد اعتقل المفكر الكبير ليو شيلوبو، أحد الموقعين على الميثاق، في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وما زال محتجزا بدون أسباب قضائية. وكان ليو، الذي أمضى حوالي عامين في المعتقل بعد مظاهرات تيانامين، مصدر إلهام لنا في عام 1989، وما زال كذلك حتى اليوم.

وفي ذكرى مرور 20 عاما على مجزرة تيانامين، يجب أن تتخذ الحكومة الصينية أربع خطوات إذا كانت ترغب في إقناع العالم بأنها «قوة مسؤولة». أولا، يجب أن تدفع تعويضات لأمهات قتلى تيانامين اللاتي فقدن أبناءهن إلى الأبد. ثانيا، يجب أن تسمح الحكومة لي وللمواطنين الصينيين الآخرين في المنفى الإجباري بالعودة إلى وطننا. ثالثا، يجب أن تفرج الحكومة عن المعتقلين السياسيين الذين تم اعتقالهم بسبب تظاهرهم السلمي في ميدان تيانامين والمعتقلين في الفترة الأخيرة المضطهدين بسبب جهودهم للتشجيع على الإصلاح في مجال حقوق الإنسان.

وأخيرا، يجب أن يتناول قادة الصين الأهداف طويلة المدى التي يشترك في الدفاع عنها طلاب تيانامين وواضعي ميثاق 08، بتنفيذ سلطة القانون وضمان حقوق الإنسان الأساسية ووضع نهاية للفساد.

حينها فقط، يمكن أن تقلب الصين صفحة تيانامين المأسوية.

* زعيم الطلبة الصينيين في مظاهرات تيانامين عام 1989.. ونفي إلى الولايات المتحدة في عام 1998.. وحصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة هارفارد عام 2008

*خدمة «غلوبال فيوبوينت»

خاص بـ«الشرق الأوسط»