وماذا عن «الشر» نفسه؟

TT

مجلة «ترافل آند ليجر» أحد أهم مجلات السياحة والسفر ومن أكثرها احتراما، أفردت صفحات خاصة مدفوعة الثمن لحملة الترويج السياحي لإسرائيل، وفي هذه الحملة تظهر خريطة إسرائيل بشكل «كامل» متضمنة الضفة الغربية وقطاع غزة وطبعا هضبة الجولان. وطبعا هذه ليست بغلطة مطبعية ولا زلة لسان غير مقصودة، وهي تأتي وسط الحديث عن ضغوطات على إسرائيل وحكومتها المتطرفة بالدخول في محادثات جادة للسلام. والواقع أن هذه الحكومة رافضة لفكرة السلام المقترح رفضا باتا. فصفاقة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو جعلته يصرح في حضرة وزير خارجية ألمانيا (وهي الدولة التي لا تزال إسرائيل تجبرها على دفع مبالغ مهولة سنويا كتعويض عن المحرقة بحق اليهود) صرح قائلا بأن إسرائيل لن تتنازل عن الضفة الغربية ولن تزيل المستوطنات منها، ولم يكتف بهذا القدر ولكنه استخدم لفظا نازيا كان الألمان يستخدمونه ضد اليهود بغرض إخلائهم من المناطق السكنية، واللفظ هو بالألمانية «JUDENREIN» جيودنرين، ومن المضحك الدولة التي تنفرد بممارسة النازية الجديدة هي التي تستجدي بمسميات النازية القديمة كسبا للتعاطف الدولي.

ولم تكتف الحكومة الإسرائيلية بهذا القدر من الوقاحة، ولكنها استمرت في إرسال رسائلها الصريحة للعالم معلنة عن موقفها دون أي محاولة لتخبئته. فلقد صرح مؤخرا عوزي أراد وهو أقرب مستشاري نتنياهو لصحيفة «هآرتز» الإسرائيلية ما مفاده أن إسرائيل لن تنسحب بالكامل من هضبة الجولان حتى ولو تم الاتفاق على معاهدة سلام مع سورية. وطبعا أي متابع منصف للصراع العربي الإسرائيلي يعلم بأن قرارات الأمم المتحدة المتعددة ومعاهدات السلام العربية وغيرها جميعا تطالب وتصر وتحدد ضرورة وشرط الانسحاب الإسرائيلي من كامل الأراضي التي احتلتها عام 1967، هي لا تتحدث عن انسحاب إسرائيلي من أوغندا والأورغواي أو من كوكب زحل والمريخ والمشترى ولا من المحيط الهندي والأطلسي والبحر الأسود. فكيف من الممكن أن يؤخذ أي حديث عن جدية الطرف الإسرائيلي في مشروع السلام حتى من الجانب النظري؟ واقع الأمر أن حكومة بنيامين نتنياهو هي مرآة فجة للتطرف الإسرائيلي وهي تشكيلة مقيتة من التنوع العدواني لليمين الإسرائيلي الموتور. والمجتمع الدولي مطالب بعزل تام لتلك الحكومة العدوانية التي تسير ضد رغبة الحق والعدل والنظام الأممي الذي ينتمي إليه العالم بأسره. إذا كان الحديث في أي وقت من الأوقات عن وجود ما يسمى «محور الشر» وهو اللفظ الذي أطلق من قبل إدارة جورج بوش الابن على بعض الدول بات اليوم مطلوبا الحديث عن «الشر» نفسه، وهو ما تمثله حاليا الحكومة الإسرائيلية بعناصرها المتطرفة. إسرائيل بنهجها الحالي لا فرق بينها وبين النظام النازي أيام هتلر ولا بينها وبين نظام «الأبارتايد» المباد في جنوب أفريقيا، واللذان كانا يعتمدان على التفرقة العنصرية والإبادة والاستبداد دون رادع. هناك صورة واضحة تصدرها إسرائيل للعالم صور تؤكد تفاصيلها أن إسرائيل غير جادة بل وغير راغبة في سلام جاد وحقيقي يحترم الشرعية الدولية ويعيد الحقوق (أو بعضها على الأقل) لأصحابها، واليوم الإدارة الأمريكية الجديدة التي أظهرت موقفا مهما بخصوص القضية الفلسطينية مطالبة بوضع حد للمهزلة الصادرة من إسرائيل ودون ذلك لا أعتقد أن أحدا سيصدق الخطاب الصادر من واشنطن بحق هذه المسألة. أعلم أن طلبي هذا يعتبر سابع المستحيلات وضربا من الخيال، ولكنه هو الطريق الوحيد لاستقامة الأمور.

[email protected]