ماذا بعد الخطاب؟

TT

رأيت أن أنتظر بضعة أيام حتى تنقشع السحابة العاطفية التي غممت على منطق بعض الكتاب في تحليلهم لخطاب الرئيس أوباما الذي وجهه إلى العالم الإسلامي من القاهرة في 4 يونيو، لنضع النقاط على الحروف: خطاب أوباما التصارحي ألقاه في أقل من ساعة على المسلمين حول العالم، وهي مدة قصيرة نسبيا إذا ما أراد التطرق إلى كل القضايا التي تدور في فلك العلاقات الأمريكية الإسلامية. ومع أنه أشار في خطوط عريضة إلى بعض الأمور الأهم، إلا أن هدف الخطاب لم يكن لمناقشة التفاصيل الدقيقة للقضايا بيننا وإنما كان الغرض هو التعريف بالنظرة الأمريكية وتوجهات هذه الإدارة الجديدة للرئيس أوباما بخصوص علاقتها بالمسلمين. وقد أتت الصراحة في خطابه لتؤكد على وقوعنا في بعض الأخطاء ومفسرة وشارحة للخطوات التي اتخذناها ونتخذها لتصحيحها، وفي المقابل أكد على المسؤولية المشتركة بيننا تجاه هذه العلاقة حيث لا توجد علاقة فاعلة إذا كانت من طرف واحد، فاليد الواحدة لا تصفق. ويجب أن لا يكون السؤال المطروح: ما الذي ستفعله أمريكا للمسلمين؟ بل يجب أن يكون: ما الذي سيفعله كل منا للآخر لتحسين هذه العلاقة؟

الولايات المتحدة تبحث عن شراكة جديدة ومؤثرة وإيجابية مع مسلمي العالم، وذلك يعني أن علينا أن نتناول بعض مصادر التشويش خصوصا وأن هناك خلطا ما بين العلاقة الحالية للولايات المتحدة مع العالم الإسلامي، وعلاقة المسلمين بالغرب على مر العقود الماضية. تلك العلاقة بالغرب التي مرت بمراحل عديدة تراوحت ما بين التعايش والتوتر والحروب كانت في معظمها سابقة لتأسيس ووجود الولايات المتحدة. ولتذكير من نسي، فقد تأسست الولايات المتحدة قبل 233 عاما وبالتحديد في سنة 1776 بإعلان استقلالنا عن التاج البريطاني. فبالإضافة إلى حداثة تاريخنا كان البعد الجغرافي لأمريكا عن الشواطئ الأوروبية والإفريقية التي تفصلنا عنها مياه لا تدرك نهايتها الأبصار عاملا آخر جعل الحكومات الأمريكية المتعاقبة تقلل من مستوى التعامل مع الأحداث التي تتطلب منها اجتياز المحيطات. ولكننا في النهاية تعاملنا مع الأحداث العالمية الجسام للحروب العالمية ولو بعد سنين من بدايتها. يبقى الشعب الأمريكي على مدى تاريخه بشكل عام ميالا إلى تجنب تعقيدات التعامل مع الأمور الخارجية للأحداث العالمية إلا إذا انعدمت خيارات تجنبها. يجب عدم الخلط بين الإرث الاستعماري الغربي وأمريكا التي نالت استقلالها من القوى الاستعمارية ذاتها التي كان لها وجود في الأراضي الإسلامية، فنحن لسنا دولة استعمار استيطاني ولا نعلن سيادتنا على أراضي الغير. وقد تكون القضية الفلسطينية قضية أساسية عندما يتحدث البعض عن ذلك الإرث الغربي في المنطقة، ولكن لنكن واضحين، فالولايات المتحدة كانت قد أتت إلى ساحة الأحداث في مرحلة متأخرة ولم يكن لها دور مباشر فيها ولا في التبعات التي ما زالت تعيش المنطقة آثارها. وعلى الرغم من محورية القضية الفلسطينية فإنه لا يمكن أن يقيم خطاب أوباما بشكل كامل بناء على قضية واحدة خصوصا إذا وضعنا في الاعتبار أن الغرض من هذا الخطاب هو كشف عن النيات الأمريكية في خطوطها العريضة وفي قالب تصارحي مع العالم الإسلامي ولطرح توجهات الإدارة الجديدة في ذلك المنحى؛ لقد كان خطاب إعلان نيات.

إذن الخطاب التصارحي للنيات الأمريكية في علاقتها مع العالم الإسلامي يهدف إلى وضع تلك العلاقة في نصابها الصحيح لأنها علاقة مهمة وذات تأثير واسع على أعداد لا تحصى من البشر. وذلك واضح من خلال ما أكده الرئيس أوباما من إسهامات وأفضال تاريخية للعلماء المسلمين على مسار الحضارة الإنسانية. وأسهب أوباما ليس فقط في التذكير بالدور الإسلامي التاريخي، بل بالتدليل على بصماته على التاريخ الأمريكي. إن ذلك الاعتراف بدور الإسلام يأتي تلقائيا وبشكل طبيعي حيث يعيش الملايين من الأمريكيين الذين يؤمنون بالدين الإسلامي السمح كمواطنين فاعلين ومسهمين في هذا المجتمع الرحب متمتعين بجميع الحقوق والمسؤوليات التي يحظى بها جميع المواطنين الأمريكيين على اختلاف دياناتهم. ولكن لا يمكن أن يترجم ذلك إلى أن الولايات المتحدة دولة إسلامية، فهي دولة تؤكد على حرية الأديان وتضمن لكل منها مساحة كافية من الحرية دون محاباة أو استثناء. فأمريكا ليست دولة تجعل لدين أفضلية على غيره من الديانات الأخرى لأن دستورها يؤكد على الحرية الدينية ويمنع إسباغ أي صبغة دينية رسمية على الدولة. بالنظر في الخيارات المطروحة أمامنا، فقد نصح أوباما ضد الاستمرار في تحديد علاقتنا من خلال أوجه الاختلاف بيننا. الخيار الأفضل هو أن ندرك الطاقة الكامنة في العلاقة المشتركة بالاعتماد على ما يجمعنا وبخاصة أن أمريكا والإسلام لا يعارض بعضهما بعضا وليس هناك ما يدعو إلى التنافس بينهما. بل إن الواقع يؤكد أننا نتقاسم الكثير من المبادئ الأساسية ونلتقي من خلال القيم الأهم للعدالة والتقدم والتسامح والكرامة لبني البشر. لا يمكن أن تقوم بيننا علاقة ما لم نقرر العمل من أجل استمرار هذه العلاقة بالحفاظ على الود والتعاون بيننا من خلال احترام متبادل ومصلحة مشتركة؛ إن ذلك من شأنه أن يؤدي بنا إلى تحقيق القيم التي نتشارك بها. وكما أكد أوباما فإننا في الولايات المتحدة نأخذ على عاتقنا العمل من أجل تحسين العلاقة ونتطلع إلى قيامكم بالمثل. ويبقى البديل خيارا غير مقبول لأن الدور الإسلامي لا يمكن أن يكون دورا غير فاعل فيتنازل عن تحديد مصيره بنفسه ويبقى مكتفيا بدور المتلقي. نحن نريد علاقة فاعلة مع العالم المسلم ونتطلع إلى تجاوب الشعوب الإسلامية معنا.

نفترض أنه بانتهاء خطاب أوباما يكون قد سمع مسلمو العالم نيات الولايات المتحدة لعلاقة أقوى أساسها الاحترام المتبادَل والمصلحة المشتركة معهم. أما الآن فسوف نتابع العمل الجدي والحثيث لتحقيق الاستقرار والسلام الذي نصبوا إليه متعاونين مع الأطراف ذات العلاقة في القضايا المختلفة. الولايات المتحدة لا تبحث عن مادة إعلامية لكي يقول المراقبون إن أمريكا قدمت شيئا جديدا، بل نسعى بثبات من أجل شراكة مع الدول الإسلامية لكي نحقق معا ما هو جديد وإيجابي على أرض الواقع كي تعيش الشعوب المسلمة وضعا أفضل.

* فريق التواصل الإلكتروني في وزارة الخارجية الأميركية