مروة.. وندا

TT

لا بد أن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، الذي وجد وقتا وسط الأزمة السياسية الداخلية المستمرة منذ الانتخابات الرئاسية الإيرانية الأخيرة ليعلق ويتخذ مواقف في الجريمة التي ارتكبت في محكمة ألمانية ضد الصيدلانية المصرية مروة، كان في ذهنه الشابة الإيرانية ندا التي قتلت خلال الاحتجاجات التي تلت إعلان فوزه بالانتخابات الرئاسية، والتي اصطلح على تسميتها بالثورة الخضراء.

ففي تعليقه الذي اعتبر فيه الحكومة الألمانية مسؤولة, وانتقد أوباما والقادة الأوروبيين وأمين عام الأمم المتحدة، طالبا منهم إدانة ألمانيا، قال أحمدي نجاد: «حين يحصل حادث صغير في دولة معادية لهم فإنهم يعتمدون قرارات، لكنهم لا يحترمون الحد الأدنى من حقوق الناس لديهم», والاستنتاج من كلامه هو أنه يشير بذلك إلى الشابة الإيرانية ندا باعتبارها «الحادث الصغير» الذي أثار استهجانا دوليا بعدما شاهدها العالم من خلال شريط وهي تموت بالرصاص.

تعليق ومواقف نجاد جاءت ضمن ردود فعل أخذت حجما واسعا بعد جريمة قتل الصيدلانية المصرية وإصابة زوجها, الكثير منها ردود فعل غاضبة محقة, والكثير منها استغلال سياسي لجريمة هي في النهاية فردية من قبل جماعات وأفراد وجدوا مادة يمكن استخدامها لتهييج الرأي العام في إطار أهدافهم لخلق أعداء خارجيين, وإحداث حالة من الشك والعداء الدائم خدمة لأجنداتهم التي هي في حقيقتها ترمي إلى أهداف محلية, وفي الحالة الإيرانية فإن نجاد وبعض القوى المتشددة هناك وجدت ما يمكن أن تشغل به الرأي العام عن الأزمة الداخلية, وتصفية حساب مع الدول التي انتقدتها بسبب الأسلوب الذي استخدم في التعامل مع المحتجين بعد الانتخابات.

ما حدث في قاعة المحكمة الألمانية هو جريمة بشعة بكل المقاييس الإنسانية, والقاتل كما يبدو من خلال الوقائع قد يكون شخصا محملا بأفكار كراهية وعنصرية للآخرين, لكن المرجح أن يكون مهووسا أيضا, فهذا نوع من الجرائم غير المتوقعة التي تأخذ الجميع على غرة, فليس معتادا سماع أن شخصا أو متهما في قضية قضائية يعتدي بهذا الشكل على الشاكي أو صاحب الدعوة, وعادة ما تكون قضايا الخلافات المدنية هذه أمام محاكم صغيرة مسترخية.

لكن مهما كانت بشاعة الجريمة والطريقة التي حدثت بها، فلا يجب الانسياق وراء حملات التهييج وبث الكراهية التي وجدت فرصة لقرع الطبول بالويل والثبور وعظائم الأمور، ولا نعرف ضد من بالتحديد, فالجريمة في النهاية مسؤوليتها تقع على مرتكبها الذي سيحاكم أمام القضاء هناك, ولن يستفيد أحد من التأليب والتهييج سوى إثارة مشاعر الكراهية دون حل أي شيء.

هناك جانب آخر في القضية لمسته جمعيات حقوقية وبعض وسائل الإعلام حول المناخ الذي يؤدي إلى ظهور مثل هؤلاء الأشخاص المهووسين، أو العنصرية التي تبرز بشكل أكبر في فترات الأزمات والبطالة, والصورة النمطية التي تخلق حول المسلمين, وهي مسألة تحتاج إلى علاج ونقاش هادئ, لكن العنصرية هي كما يبدو جزء من الظاهرة الإنسانية, وأصحابها يخلقون الأعداء الوهميين نتيجة الاختلاف، سواء كان ذلك بسبب اللون أو العرق أو الدين, والحقيقة الإنسانية المستمرة منذ بدء الحضارة الإنسانية هي التنوع والتعدد, والترياق الوحيد للعنصرية هو العمل على سيادة مفاهيم التسامح والحوار والتواصل.