ميتشل في المنطقة مجدداً والفلسطينيون يرفضون أي «تسلل جانبي»

TT

القناعة التي غدت مترسخة لدى الفلسطينيين، في ضوء فشل لقاءات الموفد الأميركي إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل بوزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك التي جرت في لندن قبل أيام، أن الإسرائيليين لا يريدون سلاماً وأن هذه الحكومة التي يرأسها بنيامين نتنياهو لن تقْدم على أي خطوة جدية وأنها ستبقى تتلاعب بعامل الوقت وتقدم مبادرات وهمية للتشويش على مسار العملية السلمية الذي أعلنه الرئيس باراك أوباما وأكد عليه أكثر من مرة منذ فوزه في آخر انتخابات رئاسية وقبل ذلك.

في آخر تطورٍ بالنسبة لما يجري على هذا الصعيد أجرى ميتشل يوم الأحد الماضي اتصالا هاتفياً مع الرئيس محمود عباس (أبو مازن) أطلعه خلاله على بعض ما جرى في لقاءات لندن الآنفة الذكر التي تشير كل المعلومات المتوفرة إلى أنها لم تسفر عن أي شيء حقيقي يمكن البناء عليه وأبلغه أنه، أي الموفد الأميركي، سيأتي إلى المنطقة مرة أخرى في غضون عشرة أيام ليستطلع الآراء كلها، آراء العرب والفلسطينيين والإسرائيليين، ليعود إلى واشنطن بتصور نهائي يضع الرئيس أوباما في ضوئه اللمسات الأخيرة على «المبادرة» التي من المفترض أن يعلنها في أقرب فرصة ممكنة لإطلاق عملية السلام التي عنوانها حل الدولتين دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب الدولة الإسرائيلية.

ولعل ما تجدر الإشارة إليه هو أن الفلسطينيين، رغم قناعتهم بأن الأميركيين متمسكون بموقفهم الرافض للاستيطان بكل أشكاله وأنواعه بما في ذلك ما يسميه الإسرائيليون «النمو الطبيعي» للمستوطنات القائمة وبخاصة المقامة في منطقة القدس، فإنهم يخشون من أن يحدث خلل ما في لحظة من اللحظات يجعل واشنطن تغير رأيها فتمارس ضغطاً على الرئيس «أبو مازن» للقبول باستكمال بعض الوحدات السكنية التي لم يُستكمل بناؤها بعد في هذه المستوطنات استجابة للمناورات والألاعيب الإسرائيلية.

وهنا فإن المؤكد أن الفلسطينيين سيواصلون التمسك بموقفهم الرافض لمثل هذا الاختراق الذي يسعى إليه الإسرائيليون لنسف عملية السلام وحرفها عن المسار الذي يتحدث عنه الرئيس باراك أوباما حيث يصر بداية على رفض الاستيطان بكل أشكاله وأنواعه وفقاً لما جاء في خارطة الطريق التي من المفترض أن تعلن إسرائيل الالتزام بها كإطار عام لعملية السلام وحل القضية الفلسطينية استنادا إلى ما تضمنته مبادرة السلام العربية.

ويقول الفلسطينيون إنهم لا يستطيعون التفرُّد بأي موقف إن لجهة القبول بما يسمى «النمو الطبيعي» لبعض المستوطنات الإسرائيلية أو غيره، فهناك مبادرة السلام العربية وعلى الأميركيين أن يبلوروا موقفاً واضحاً من كل القضايا المختلف بشأنها وأهمها الحدود والقدس واللاجئين وبالطبع الاستيطان وضرورة إيقافه بكل أشكاله وأنواعه ويطرحونه على العرب بطريقة مباشرة وبصورة رسمية. ويؤكد الفلسطينيون أنهم لن يقبلوا بأي تسلِّل جانبي ولن يتخذوا أي خطوة من وراء ظهر العرب وعلى حساب مبادرة السلام العربية. وأيضاً فإن الفلسطينيين يرفضون أي لقاء بين محمود عباس (أبو مازن) وبين بنيامين نتنياهو ما لم يلتزم رئيس الوزراء الإسرائيلي مسبقاً بوقف الاستيطان بكل أشكاله وما لم يلتزم بكل ما انتهت إليه المفاوضات مع سلفه إيهودا أولميرت وما لم يتوقف عن هذه الألاعيب التي هدفها حرف عملية السلام عن مسارها الصحيح وإغراقها بالمبادرات الوهمية الجانبية التي يساهم بجزء منها رئيس الدولة الإسرائيلية شمعون بيريز الذي يلعب في هذه الفترة دور محامي الشيطان والذي يخبئ مخالبه الصقورية بـ«قفازات» مخملية. والمعـروف أن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ايهودا أولميرت كان تعهد للأميركيين بحضور «أبو مازن» وبعض المفاوضين الفلسطينيين بأن حدود الرابع من يونيو (حزيران) عام 1967 هي حدود الدولة الفلسطينية المستقلة المنشودة مع ترك ما نسبته نحو ستة في المائة من مساحة الضفة الغربية لمبادلته بـ «أراضٍ إسرائيلية» يتم التفاوض بشأنها لاحقاً وأنه ينطبق على القدس وعلى ما يسمى صحراء يهودا No Mans Land ما ينطبق على الأراضي التي أُحتلت في حرب يونيو (حزيران) المتضمنة في قرار مجلس الأمن الدولي 242.

ويرفض الفلسطينيون أيضاً أن يُطلب من العرب القيام بأي خطوات تطبيعية حتى وإن كانت شكلية وفي إطار ما يسمى إبداء حسن النوايا ما لم يلتزم الإسرائيليون مسبقاً بوقف الاستيطان وما لم يوافقوا على التصور النهائي للحل المستند إلى مبادرة السلام العربية وبضمانات أميركية ودولية وما لم تكن مثل هذه الخطوات المطلوبة في إطار جدولٍ يحدد السقف الزمني النهائي للعملية السلمية.

إن هذا هو ما يجري ولذلك وبانتظار أن يعلن الرئيس باراك أوباما خطته أو مبادرته الموعودة في ضوء ما سيعود به جورج ميتشل من جولته المقبلة إلى المنطقة فإنه لابد من الإشارة إلى أن هناك الآن أحاديث هامسة عن إمكانية العودة لوثيقة أميركية قديمة كانت أعدتها وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت في العام 2000 لتكون تصوراً نهائياً لحل القضية الفلسطينية أهم ما جاء فيها:

أولاً: يكون نهر الأردن والجسور المقامة عليه من الجهة الغربية تحت السيادة الفلسطينية على أن يتم نشر قوة مراقبين دولية تضم في صفوفها وحدة إسرائيلية كبيرة.

ثانياً: تخضع منطقة غور الأردن على الجانب الغربي للسيادة الفلسطينية مع تمتع الإسرائيليين بحق استئجارها لمدة طويلة من الزمن (رفض الفلسطينيون هذا الاقتراح وهم ما زالوا يرفضونه ).

ثالثاً: تقول وجهة النظر الأميركية وفقاً لوثيقة أولبرايت هذه إن هناك صيغة عامة في ما يتعلق بحق العودة تلبي المطلب الفلسطيني والعربي لكن يجب أن يكون معروفاً أن هذا الحق بالنسبة للأراضي الإسرائيلية لن يكون مطلقاً وانه سيقتصر على عدد محدود جداً لا يشكل أي قلق لإسرائيل، أما بالنسبة لأراضي الدولة الفلسطينية المنشودة فإنه سيكون وفقاً لما يقرره الفلسطينيون أنفسهم.

رابعاً: إن حل قضية القدس يجب أن يستند إلى القرارات الدولية وفي مقدمتها القرار رقم 242 مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة التعاطي مع وجهة النظر الإسرائيلية القائلة بإمكانية نقل أحياء عـربية في هذه المدينة للسيادة الفلسطينية وضم الأحياء اليهودية (حائط المبكى) لإسرائيل من الناحية الديموغرافية. في كل الأحوال إنه يمكن اعتبار أن هذه المرحلة من أخطر المراحل التي تمر بها القضية الفلسطينية ويمر بها الصراع العربي الإسرائيلي والواضح أن الحكومة الإسرائيلية الحالية ليست حكومة حلول سلمية وهذا يقتضي أن يكون الأداء العربي والفلسطيني دقيقاً ومتناسقاً وبحيث ألاَّ يتردد الأميركيون عندما يتأكدون من أنه لم يصبح أمامهم إلا خيار العمل للتخلص من هذه الحكومة واستبدالها بحكومة معتدلة جديدة.

عندما يدعو باراك أوباما رؤساء المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة ليبلغهم أنه مصمم على إنهاء الصراع العربي – الإسرائيلي وحل القضية الفلسطينية خــلال ولايته (الأولى) فإنه على العرب والفلسطينيين أن يرتقوا بأدائهم إلى المستوى الذي تتطلبه هذه المرحلة التاريخية وأنه عليهم أن يتصرفوا بأقصى درجات الوعي والمسؤولية وأن يوفروا للرئيس الأميركي من جهتهم كل ما يحتاجه لإنجاز كل ما هو عازم على إنجازه.