كاليفورنيا: حلم تحطم

TT

في سكرامنتو، يستطيعون سماع الأجراس في وسط الليل.

أخبر المسؤول المالي الرئيسي بكاليفورنيا المشرع جون شيانغ والحاكم أرنولد شواريزنغر أنه عليه تسديد فواتير الولاية من خلال سند إذني بدءا من الغد إلا إذا وجدوا طريقة لإنهاء العجز الهائل في ميزانية كاليفورنيا والذي يبلغ 24 مليار دولار.

ولكاليفورنيا رفقاء في محنة الإحدى عشرة ساعة تلك؛ مثل إنديانا وأريزونا والميسيسيبي وبنسلفانيا التي ذهبت هي الأخرى في اليوم النهائي للسنة المالية مما يعرضها لاحتمال أن تضطر لإغلاق الوكالات العامة أو أن تسدد الديون عبر سندات إذنية إلا إذا ابتكروا طرقا لسد الفجوة الكبيرة بين التزامات الولاية والعائدات التي تأثرت بالتراجع الاقتصادي.

وتأتي قائمة الولايات ـ الديمقراطية والجمهورية، والتي تتبع نظاما اقتصاديا قديما والتي تتبع نظاما اقتصاديا جديدا ـ متنوعة للغاية لكي تنفي أي فكرة تتعلق بأن الأزمة المالية للولايات هي مشكلة حزب واحد أو منطقة معينة، فهي تخضع لنظام الحوكمة الأميركي التي تلتزم كافة الولايات بموجبه بوضع موازنات متوازنة حتى خلال فترات الركود ـ مما يعني المزيد من تخفيض الخدمات وتسريح العمال بالرغم من أن مثل تلك الإجراءات تزيد من عمق حالة الركود.

ولكن كاليفورنيا هي حالة خاصة لأنها ببساطة ولاية كبيرة، فمحاولة السد النهائي لفجوة الميزانية عبر تخفيض البرامج ـ كما يقترح شواريزنغر والجمهوريون في مشروع قانون ـ سوف يزيد من عمق حالة الركود ليس التي تعاني منها الولاية، فحسب ولكن التي تعاني منها الأمة بأسرها.

وواحدة من كل أربعة من الرهونات التي تتجاوز الفوائد المتراكمة عليها القيمة الأصلية للرهن ـ على سبيل المثال ـ تقع في منازل كاليفورنيا وتؤثر على التخفيضات التي اقترحها الحاكم، والتي تقدر أكاديمية المال والأعمال بجامعة كاليفورنيا، لوس أنجليس، بأنها سوف تتسبب في أن يخسر حوالي 60 ألف موظف بالدولة وظائفهم ـ سوف تخلق موجة جديدة من حبس الرهن والأصول المسمومة في دفاتر البنوك.

وتساهم كاليفورنيا بحوالي 12% من إجمالي الناتج المحلي للأمة والنصيب غير المتكافئ من عائدات الحكومة الفيدرالية (فمقابل كل دولار تدفعه كاليفورنيا إلى الإدارة الفيدرالية تتلقي حوالي 80 سنتا من الخدمات).

ويرى جناح اليمين أن الأزمة هي فرصة لتقليص سيطرة الحكومة بغض النظر عن العواقب، فشواريزنغر يعرض إنهاء الخدمات الاجتماعية ليس فقط كما نعرفها، بل إنهاؤها تماما، كما يقترح أن يحذف حوالي مليون طفل من قوائم برامج رعاية العائلات الصحية التابعة للدولة.

ولكن عواقب إنهاء عجز الميزانية عبر التخفيضات سوف يتأثر به الفقراء أكثر من غيرهم، فهم يعانون بالفعل من التخفيضات التي بلغت قيمتها 15 مليار دولار والتي أقرتها الدولة في فبراير (شباط)، وقد ألغت العديد من مدارس المقاطعة بما فيها مدارس لوس أنجليس المدارس الصيفية هذا العام.

كما أنه قد أطاح بالمنح الدراسية التي كانت تمكن الطلاب ذوي الموارد المحدودة من الالتحاق بجامعة كاليفورنيا العريقة، ومن المحتمل كذلك أن تغلق معظم حدائق الولاية.

وتنطوي فكرة أن ندمر القطاع العام لكي ننقذ الولاية على مفارقة مفزعة، حيث أن كاليفورنيا ـ التي كانت مركزا للحلم الأميركي في أعقاب الحرب ـ كانت في الأساس نتاجا حكوميا. فقد ألزم خوض حرب المحيط الهادي خلال الحرب العالمية الثانية، الحكومة الفيدرالية بإنفاق المليارات على الصناعة والبنية التحتية في كاليفورنيا كما أن الولاية كانت هي المستفيد الأكبر من دولارات البنتاجون أثناء الحرب الباردة. وكما يوضح كيفين ستار مؤرخ كاليفورنيا البارز في كتابه الرائع الجديد «الأحلام الذهبية» الذي يؤرخ فيه للولاية في الخمسينات والستينات أن 40% من كل ميزانية الدفاع للتصنيع والأبحاث في عام 1959 ذهبت إلى كاليفورنيا وهو ما ساعد على تدعيم اقتصاد الولاية المزدهر من خلال قوة عاملة تتلقي رواتب مجزية الذين كانوا محترفين وأعضاء في النقابات العمالية وهم الذين وضعوا البذرة الأولى لقطاع الإلكترونيات والتكنولوجيا التي ازدهرت في العقود التالية. وتم الانطلاق من ذلك الازدهار لخلق المزيد من الازدهار، فقد استثمر ايرل وارن وغودوين نايت وبات براون ـ جمهوريان وديمقراطي ـ أموال الولاية في بناء المدارس، والجامعات والطرق الحرة وإنشاء قنوات المياه التي كانت الأفضل على مستوى العالم، ولم تكن أبدا الولاية الذهبية أكثر ذهبية من ذلك.

واليوم، يبدو حاكمها عازما على تحويل الذهب إلى خردة، فقدم الديمقراطيون في المجلس التشريعي ميزانية تتضمن تخفيضات بقيمة 11 مليار دولار، واقتراحا بفرض ضرائب على شركات البترول والتبغ ورفع أجرة تسجيل السيارات بمعدل 15 دولارا لكل سيارة لحماية مواقف انتظار السيارات التابعة للولاية من الإغلاق.

وكرر شواريزنغر رفضه لرفع الضرائب أو المصروفات وقال إنه سوف يعترض على الميزانية.

ومن خلال نموذج معد للاستثمارات المستقبلية، فإن كاليفورنيا ولاية لا تستثمر في الحاضر وليس لديها أي رؤية بالنسبة للمستقبل.

وقد منع القرار 13 الذي سنه المقترعون في الولاية عام 1979 مدن الولاية وبلادها من تمويل مساعيهم، وقد جعلت الأقلية الجمهورية في المجلس التشريعي التي يحرضها شواريزنغر عملية الاستثمار في مشروعات ـ مثل التي تعهد بها وارن ونايت وبراون ـ عملية مستحيلة.

ويدعو اليوم الحالمون في كاليفورنيا إلى معاهدة دستورية لإعادة تنقيح القوانين عديمة الفائدة التي تحكم بها الولاية نفسها. وليس فقط أبناء كاليفورنيا هم المشاركون في ذلك النجاح بل جميع الأميركيين، كما أن كاليفورنيا التي تدمر نفسها خلال الركود سوف تجر بقية الأمة معها.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»