عالم بلا رجال.. وأخلاقيات العلم

TT

غالبا ما تسبق التجارب الفكرية ـ على الورق ـ لكتّاب الخيال العلمي، التجارب العلمية ـ في المختبرات ـ للعلماء، وهذا ما يؤكد دائما على قيمة وأهمية ودور أدب الخيال العلمي الجاد (Science Fiction) في استشراف آفاق المستقبل والتحذير من العبث العلمي وأخطاء العلماء.

ففي تطور علمي استثنائي (Extraordinary development) طالعتنا وكالات الأنباء مؤخرا بخبر علمي مثير ـ يثير العديد من التساؤلات الأخلاقية ـ عن تمكن علماء في جامعة نيوكاسل البريطانية من إنتاج حيوانات منوية في المختبر ولأول مرة، وذلك من خلال خلايا جذعية جنينية، الأمر الذي قد يمهد الطريق لطرق جديدة لعلاج العقم، إذ يعتقد الباحثون أن ذلك سيساعد الرجال الذين يعانون مشكلات في الإنجاب، ولكن خبراء آخرين أعربوا عن اعتقادهم بأنه لم يتم تخليق حيوانات منوية كاملة.

ووفقا للتقرير الذي نشرته صحيفة «الإندبندنت» البريطانية (The Independent)، في 8 يوليو (تموز)، توصل العلماء إلى تخليق حيوانات منوية في أنابيب اختبار باستخدام الخلايا الجذعية أو خلايا المنشأ (Stem cells) المستخلصة من جنين ذكري عمره خمسة أيام (male embryo). وإذا ما تأكدت صحة النتائج لهذا التطور العلمي فإنه من الناحية النظرية يستطيع الجنين البشري الواحد، ومن خلال الخلايا الجذعية، أن يوفر مخزونا لا نهائيا من الحيوانات المنوية (unlimited supply of sperm)، وفي هذه الحالة لن يكون هناك ضرورة لوجود الرجال.

وهذا التطور العلمي كان لسنوات قليلة ماضية يدخل ضمن أعمال الخيال العلمي، حيث يذكرنا برواية «عالم بلا رجال» (World Without Men) عام 1958 للكاتب البريطاني تشارلز إيريك (Charles Eric) (1981-1921)، ورواية «الكوكب العذري» (Virgin Planet) عام 1959 للأميركي بول أندرسون (Poul Anderson) (1926-2001)، وكذلك رواية «انقراض الرجل» عام 1990 للكاتبة الكويتية طيبة الإبراهيم.

كما أنه يثير لدينا العديد من التساؤلات الأخلاقية (Ethical Questions) بشأن مدى سلامة الحيوانات المنوية المنتجة مختبريا، أي التأكد من أنها حقيقية وتماثل الحيوان المنوي الأصلي وسليمة صحيا، وقابلة للنمو والحياة ولا تسبب موتا أو عيوبا غير مقبولة للجنين، وكذلك تساؤلات حول التدخل في عملية الإنجاب في صورته الطبيعية واحتمالات التداخل والاختلاط في الأنساب، وعموما التهديد الذي يشكله هذا التطور العلمي للدور المستقبلي للرجال.

خلاصة القول أن هذا التطور العلمي المثير، دعوة عاجلة ومفتوحة للعلماء عموما، وبخاصة علماء الأديان وأخلاقيات العلم وأخلاقيات الإنجاب، لمناقشة أبعاده العلمية والأخلاقية والاجتماعية، والتحذير من العبث والتلاعب بالعلم، والذي قد يؤدي إلى كوارث علمية وأخلاقية لا تحمد عقباها، وضرورة وضع ضوابط ومحاذير علمية وأخلاقية للبحث العلمي حتى لا يتحول العلم إلى تجارة بهدف الكسب المادي أو الشهرة العلمية والإعلامية.

كما أن هذا البحث يجدد الأمل في الاهتمام الجاد بأدب الخيال العلمي وكتابه في عالمنا العربي، لأهميته في التنبؤ والتحذير بما سيؤول إليه مستقبل البشرية إذا أسيء استخدام العلم والتكنولوجيا.

*كاتبة وباحثة مصرية في الشؤون العلمية