الملك في سان فرنسيسكو

TT

لم يحدث أن ملكا من قبل تربع في قلوب البشر مثل الفرعون الذهبي «توت عنخ آمون».. ظل متحف «دينج» للفنون بمدينة سان فرنسيسكو يستعد لاستقبال الفرعون الذهبي لمدة عامين، وظل أهل المدينة ينتظرون بشغف ويحلمون بلحظة لقاء الفرعون الصغير للمرة الثانية في تاريخ مدينتهم. وكانت المرة الأولى منذ حوالي ثلاثين عاما عندما زار الفرعون الذهبي «توت عنخ آمون» هذه المدينة، واصطف ملايين البشر في طابور امتد لحوالي خمسة كيلومترات، وطال انتظارهم ساعات طويلة في انتظار حجز تذكرة لدخول المعرض الذي احتوى على 55 قطعة أثرية من كنوز مقبرة الملك بوادي الملوك. وقد قابلت واحدا من أهل المدينة الذي زار المعرض هو وزوجته، وأخبرني أن ساعات الانتظار الطويلة للحصول على تذكرة دخول المعرض، والتي وصلت إلى خمس ساعات، كانت كفيلة بتطور نقاش حاد بينه وبين زوجته التي كانت تقف معه في الطابور، وتطور النقاش إلى شجار عنيف حول «مصروف البيت»، كما نقول في العامية المصرية، ونقصد بها مستلزمات المنزل، وقبيل دخولهما مدخل المعرض كانا قد اتفقا على كل تفاصيل الطلاق.

وقد تسبب الفرعون الصغير في حدوث العديد من قصص الحب خلال ساعات الانتظار في الطابور، وتعارف الشباب والشابات على بعضهم البعض، ووصل التعارف إلى الزواج وتأسيس عدد كبير من الأسر التي ربت أبناءها على عشق الحضارة المصرية القديمة وآثارها. هذا الولع بالمصريات كان سببه روعة وجمال الفن المصري الجميل، وما أبدعه الفنان المصري من تحف لا مثيل لها ولا تقدر بكل مال الأرض.

أما كيف استطاعت مدينة سان فرنسيسكو الحصول على هذا المعرض؟ فالقصة تعود إلى سنة 1977 عندما تم الاتفاق بين متحف الـ«سميثونيان» وهيئة الآثار المصرية في ذلك الوقت على عرض عدد من روائع كنوز الملك «توت» وتشمل القناع الذهبي الذي يزن أحد عشر كيلوجراما من الذهب الخالص، وكرسي العرش، ورأس الملك وهى تخرج من زهرة اللوتس، واتفق على أن يطوف المعرض بست مدن أمريكية، حيث كان الافتتاح في الـ«ناشيونال جاليرى» بواشنطن، وحضره هنرى كيسنجر وزير خارجية أمريكا في ذلك الوقت، ثم ينقل إلى نيويورك، وشيكاغو، ونيوأورليانز، وسياتل ولوس أنجلوس. وأراد صاحب متحف «دينج» للفنون الجميلة بسان فرنسيسكو أن تصبح مدينته هي المدينة رقم «7» التي يزورها المعرض، ونجح في عقد اتفاق مع هيئة الآثار المصرية.

أما المعرض الحالي، فيضم، ليس آثارا فقط من مقبرة «توت عنخ آمون»، بل وآثار ترجع إلى أفراد من عائلة الملك. وعلى الرغم من أننا لا نرسل الآن أى أثر مصنف تحت قيمة «أثر فريد لا مثيل له»، وأن كل ما يرسل هو الآثار المكررة، وهى بالطبع ثمينة جدا ولا تقدر بمال إلا أنها لا يمكن أن تماثل في قيمتها القطع الفريدة كالقناع وكرسي العرش وغيرها من كنوز الملك «توت عنخ آمون»؛ نقول على الرغم من ذلك، فإن الملك «توت» لا يزال متربعا في قلوب الناس في كل أنحاء العالم ـ خير سفير لحضارة إنسانية عظيمة، بنيت بالفكر والإيمان.

كان العائد الذي حصلت عليه مصر من إرسال معرض الملك «توت» الأول إلى الولايات المتحدة عائدا ثقافيا وإعلاميا، حيث تم الترويج لآثار الفراعنة، والذي انعكس على مفهوم الأمريكان عن حضارة مصر. أما العائد المادي، فلم تحصل مصر على شيء يذكر من إرسال روائع كنوزها؛ ولهذا قصة أخرى نرويها بإذن الله في المقال القادم..www.zahihawass.com