من نيويورك إلى شينجيانغ

TT

اعتقد أنها ولت أيام الرومانسية الصينية في العقل العربي. للصين صورة خاصة عند المسلم، تحديدا العربي، لسبب واحد، يحبون تخيلها دولة حليفة لهم، وتقف ضد الولايات المتحدة. يستشهدون بمواقفها في قضايا مثل فلسطين في مجلس الأمن، رغم أنها غير مفيدة عمليا بسبب الفيتو الأميركي. أما المتطرفون فيوهمون أنفسهم بأنها ذات قيمة سياسية وعسكرية في السودان، على اعتبار أن الصين بالفعل تساند موقف نظام البشير في مذابح الدارفوريين.

طبعا، هذه تفاصيل تتغير بحسب الريح السياسية، بدليل أن الصين صارت على قائمة أكثر الدول كراهية هذا الشهر في العالم الإسلامي، وأتصور أن المسلمين صاروا في الصين أناسا مشبوهين وعدوانيين، أي أن صدام الحضارات الموعود أضيف إليه الصين.

في الصين وغيرها هناك فكر وجماعات متطرفة زرعت فكرة استقلال الأقليات المسلمة عن بلدانهم التي يعيشون فيها. وقد أتعبت هذه الأفكار المسلمين في بلدانهم الأصلية، في الفلبين وتايلاند وكشمير وغيرها، لأن المسلم في واقع اليوم هو مواطن بحسب مكانه الجغرافي، صينيا في الصين، وهنديا في الهند، وبريطانيا في المملكة المتحدة، وأميركيا في الولايات المتحدة. مثل أن نقول إن المسيحية لا تعني بالضرورة هوية وطنية، كالقبطي في مصر، أو الأرمني في تركيا، أو المسيحي الهندي في الهند.

لهذا عندما قمعت السلطات الصينية مواطنيها المسلمين في إقليم شينجيانغ انعقد لسان معظم المتحمسين للدور الصيني. هنا اختلت موازين العقل العربي المبرمج على حساب الأصدقاء والأعداء وفق مواصفات محددة.

وبعيدا عن نقد المواقف فإن للمسألة الصينية هنا شقين، واحد أخلاقي، حيث يجب شجب السلطات الصينية لأنها واجهت بالرصاص مسلميها بصورة بشعة وعنصرية راح ضحيتها المئات. والشق الثاني فكرة التمرد والانفصال الإسلامية عن الصين التي يجب رفضها. هناك بين مسلمي إقليم شينجيانغ جماعات متطرفة تريد إقامة دولة خاصة بها، لكن لنتذكر أن في الصين 55 قومية لا المسلمين وحدهم، وبالتالي يستحيل منح إحداها الاستقلال. الصين حاربت فكرة انفصال جزيرة تايوان سبعين عاما، رغم أن الجزيرة عمليا منفصلة عنها. وبالتالي ثقوا أن دعوة الانفصال هي دعوة شقاء للمواطن المسلم، ستجعله في عزلة، ومحل شك وكراهية واضطهاد. ولا أحد يريد اليوم أن يسمع كلمة انفصال لأنها فيروس معد، ودول منطقتنا مهيأة للإصابة به أكثر من غيرها بسبب حداثة تكوينها وضعف استقرارها.

العالم تميز في القرن العشرين بقيام الدولة القومية، هي صيغة الدولة التي نراها اليوم في كل مكان،والتي لازمتها دعوات الانفصال وهي سبب معظم الحروب ومع الوقت تحتم على الأقليات داخلها القبول بالتعايش، وعلى النظام السياسي احترام حقوقها. أما النزعات الانفصالية فأصبحت  مكروهة سياسيا حتى لو كانت مبررة سياسيا. فالأكراد شعب تم تقسيمه بسبب الاستعمار البريطاني إلى أقاليم ملحقة بدول أخرى في العراق وتركيا وسورية وغيرها، ومع هذا لا أحد يريد لهم دولة. الجنوب السوداني، وهو ملحق آخر بالخرطوم، رغم أنه لا يمت للشمال بصلة في الدم أو الدين أو اللغة، ألزم بالبقاء ضمن إطار الجمهورية السودانية.

ورفض الانفصال في الصين ليس ردة فعل على أحداث اليوم، بل أتذكر أنني حضرت واحدة من الزيارات الرسمية لمسؤول سعودي كبير إلى بكين قبل نحو عشر سنوات، فقد حرص عندما زار مدرسة إسلامية أن يصارحهم حول مسألة الهوية، قال لهم أنتم صينيون ومسلمون وولاؤكم يجب أن يكون لبلدكم الصين وحده.

[email protected]