استراتيجية احتواء الطالبان

TT

رغم الخسائر الفادحة التي تعرضت لها القوات البريطانية في إقليم هيلماند جنوب شرق أفغانستان فإن الروح المعنوية لا تزال عالية حيث يؤيد غالبية الشعب التضحيات البطولية للجنود.

وهناك تشابه، مع الفارق النسبي الهائل طبعا، مع لحظة دنكرك عندما وقفت بريطانيا وحدها كآخر سد يحفظ الحرية الإنسانية من طوفان ظلام النازية، بينما تساقطت القنابل بلا انقطاع فوق لندن والمدن الكبرى.

اليوم تحارب بريطانيا وحدها معركة حتمية لصالح قوى الحرية والديموقراطية والسلام، أمما وأفرادا ومنظمات ضد عصابات الإرهاب الهمجية: الطالبان والقاعدة.

وإذا لم نحارب في أفغانستان اليوم، سنواجه غدا إرهاب قوى الظلام في لندن والقاهرة والأقصر وطابا وشرم الشيخ ودهب والرياض وجدة والكويت وعمان والدار البيضاء والرباط والجزائر واسطنبول ومدريد، وطبعا بالي ونيويورك وواشنطن.

إرهابيو القاعدة بدأوا العدوان، وأكرر بدأوا بالعدوان، على مدن أغلبية سكانها من المسلمين، قبل عولمة إرهابهم في أوروبا وأميركا.

قنابل القاعدة وأخواتها (وأمها الطالبان) لم تفرق بين عربي وأعجمي، بين أفريقي وآسيوي، بين ابيض واسود، أو بين مسلم وغير مسلم؛ حقيقة موثقة، فضحايا إرهاب من اختطفوا الإسلام أغلبيتهم من المسلمين، وهم أضعاف الضحايا من غير المسلمين.

يتفق خبراء مكافحة الإرهاب (من مختلف الجنسيات) على أن أهداف حملة مخلب الفهد التكتيكية في أفغانستان لا يمكن تحقيقها خارج استراتيجية تتضمن دعم الجيش الباكستاني لتحرير وادي سواط وأقاليم وزيرستان والحدود الشمالية الغربية من الطالبان «وضيوفهم» القاعدة.

المطلوب استراتيجية واسعة، تشبه الاستراتيجية الشاملة (أثناء تحالف ريجان ـ ثاتشر) التي مكنت العالم الحر من كسب الحرب الباردة.

لابد من التذكير أن بلدان الشرق الأوسط عانت من الإرهاب الذي لا يزال المهدد الأول لأمنها واستقرارها، فلا يجب إذن أن تدفن رؤوسها في الرمال.

لم يعد العالم مستقطبا بين معسكري وارسوا والناتو، بل ينقسم اليوم بين قطب ديموقراطية الليبرالية التي تحترم حقوق الإنسان والقانون؛ وقطب ديكتاتورية ظلام القرون الوسطى الشمولية التي تدوس على القانون بالحذاء العسكري، وتمزق ميثاق حقوق الإنسان باسم الدين لتسحق الفرد وتحرمه من اختيار أبسط حاجاته كالعبادة والملبس والمأكل والتنقل وحتى الحب.

حدود كتلتي الحرب الباردة كانت واضحة جغرافيا، بينما الحرب المعاصرة التي تخوضها قوى النور ضد قوى الظلام، لا حدود جغرافية لها؛ فساحتها العقول والأفئدة والتيارات الشعبية والثقافة والفنون ومناهج التعليم وحتى المصحات النسائية.

كيف إذن نجد أيمن الظواهري، العقل المدبر لعصابة القاعدة الإرهابية، أكثر وعيا بهذه الحقيقة واقدر على التعبير عنها من معظم قادة العالم ـ باستثناء بريطانيا وزعماء بلدان قبلت التضحية بخوض المعركة التاريخية كهولندا وكندا واستراليا وايطاليا وأميركا؟.

الملاحظ أن كل الخسائر البريطانية في الأرواح ـ تقريبا ـ سببها ألغام مرتجلة (أي المصنعة محليا ولا تصنيف لها) فعناصر الطالبان والقاعدة يتقهقرون ولا يهاجمون بشجاعة مكتفين بزرع متفجرات على الطريق، كوضعهم القنابل بين الأبرياء في دهب وطابا والرياض.

الجنود البريطانيون تنقصهم المعدات؛ خاصة طائرات الهليكوبتر (تقرير لجنة الدفاع في مجلس العموم الصادر الخميس). كما أن المعركة تحتاج لأكثر من 40 ألف جندي لتطهير أفغانستان، والحفاظ على المراكز السكانية المحررة لمنع تسلل الطالبان ليلا لإرهاب المدنيين بقتل المدرسين والممرضات.

لذا نناشد العالم، خاصة القيادات العربية، التحرك سريعا لدعم القوات البريطانية وجيش أفغانستان الناشئ. ومشاركة لندن وواشنطن وكابول وإسلام آباد رسم استراتيجية كسب حرب النور ضد الظلام.

الشعب البريطاني يقبل التضحيات ويدرك أن زهرات شباب الأمة سيتساقطون في حرب ستطول لأكثر من 15 عاما.

ألا يجدر بحركة عدم الانحياز المجتمعة في شرم الشيخ ـ التي سقط فيها الأبرياء من مختلف الجنسيات ضحايا الإرهاب ـ أن تخرج بتوصيات مثل الضغط على الاتحاد الأوروبي لتوفير قوات إضافية لمساعدة بريطانيا في أفغانستان؟

وعلى البلدان الإسلامية توفير المساعدة بالعتاد والمال لباكستان؟

والدعوة لتوفير ميزانية لتزويد الجنود في هيلماند بطائرات الهليكوبتر، خاصة الدول الغنية التي ليس لديها قوات أو معدات لإرسالها لأفغانستان؟.

دعم الغرب لباكستان أو وجود قوات غير إسلامية فيها تستغله الطالبان والقاعدة في بروباغندا سلبية. فنداء الظواهري هذا الأسبوع يدعي، كذبا، أن معركة الجيش الباكستاني لفرض قانون البلاد في وادي سواط هو «حرب صليبية أميركية».

المطلوب توصية من مؤتمر عدم الانحياز للبلدان الإسلامية بدعم باكستان علنا لدحض أكاذيب عدو الإسلام والمسلمين المدعو بالظواهري.

المطلوب اتفاق دور الإفتاء في العواصم الكبرى المؤثرة على فتوى موحدة تصنف الإرهاب «جريمة ضد الإنسانية» وتدعو لنصرة قوات باكستان (وهي قوات إسلامية) بالمال والعتاد والجنود لدحر الإرهاب.

المطلوب التنسيق في الأهداف الاستراتيجية بين البلدان الإسلامية وبريطانيا وواشنطن والاتحاد الأوروبي لتكون واقعية وقابلة للتحقيق وشاملة كلا من باكستان وأفغانستان.

الهدف المرحلي احتواء الطالبان والقاعدة ومحاصرتهم (الإجهاز عليهم هدف غير واقعي في هذا الجيل)، وحرمانهم من القدرة على تدبير وإعداد العمليات الإرهابية التي تستهدف مدن العالم الإسلامي قبل لندن وواشنطن.

وهناك محاور تكتيكية ضرورية لتحقيق الهدف؛ أولها دعم القوات البريطانية وتزويدها بالمعدات المطلوبة وبقوات إضافية.

والثانية دعم الجيش الباكستاني ماديا وعسكريا، ودعم حكومة إسلام آباد ديبلوماسيا وماليا بسخاء يمكنها من تعويض المهجرين من وادي سواط نتيجة العمليات العسكرية؛ ولتخليص المدارس الإسلامية من سيطرة ملالي الطالبان، ولابد أن يكون دعم العالم الإسلامي فاعلا وعلنيا لكشف أكاذيب أعداء الإنسانية كالظواهري وأصحابه.

المحور الثالث القضاء على زراعة نباتات الخشخاش وتجارة الأفيون والهيروين التي تمول الطالبان والقاعدة، وهذا يتطلب دعما ماديا وتدريب المزارعين لزراعة محاصيل بديلة وفتح الأسواق لها وتعويض المزارعين في الفترة الانتقالية.

المحور التكتيكي الرابع هو تدريب 130,000 جندي أفغاني بشكل يمكنهم من إبقاء الطالبان بعيدا عن المراكز والتجمعات السكانية، وتدريب 70 ألفا من قوات البوليس، واجتثاث الفساد بينها، لحماية مؤسسات المجتمع المدني وبناء الديموقراطية الأفغانية في شكل الحكومة المركزية والتمكن من إجراء الانتخابات في أمان إلى جانب بناء مشاريع البنية التحتية. وهذه مهمة جيوش بلدان يحرم دستورها القتال في هيلماند كألمانيا والدول الإسكندنافية واليابان مثلا.

الواقع انه لا بديل عن كسب هذه المعركة لصالح قوى النور ودعم بريطانيا وجيش باكستان من جميع الأطراف؛ فخسارة أفغانستان للطالبان (ناهيك عن وقوع أسلحة باكستان النووية في يد الإرهابيين) تعني انتشار العمليات الإرهابية في مدن بلداننا جميعا، وزيادة انتشار الهيروين والمخدرات بين الشباب.

أما معركة الأفئدة والعقول فتطلب التزاما من الدول الإسلامية بإعادة النظر في مناهج التعليم ودعم حرية التعبير وتوسيع ميزانيات الثقافة والفنون وهذا حديث آخر.