من الانقلاب إلى الانتخاب

TT

عاش عاما ينام في القصر، ومع هذا لم يجد حجة يبرر بها استيلاءه على الحكم في موريتانيا منذ أغسطس، من الصيف الماضي. استولى على الدار والمكاتب الرئاسية ومنح رفاقه في الجيش مناصب في إدارة الدولة، ولم يستطع أن يكون رئيسا. ورغم أن الجنرال محمد ولد عبد العزيز جرب أقصى ما يملك من دعاية، إلا أن قدراته الذهنية عجزت عن أن تسعفه لتبرير طرده الرئيس الشرعي في المرات التي خاطب فيها الشعب الموريتاني. في البداية ظن أن رئيس الجمهورية مثل قائد كتيبه، يكفيه أن يأمر فيطاع، لكنه وجد جملة عقبات. فالموريتانيون ليسوا قطيعا من الغنم، وموريتانيا تعيش على تعاملات خارجية، وتوازناتها مبنية على علاقات قبلية داخلية، وهو لا يملك شيئا من حس من الإدارة حتى يقنع الناس بشرعيته.

عقبته الكأداء أن الدول الكبرى رفضت التعامل معه بدون أن يمنح للحكم شرعية، حاول الحصول على تصديق برلماني، وتنازل خطي من الرئيس المعزول، الرئيس الوحيد المنتخب في التاريخ الموريتاني، ومع هذا لم ينجح. أخيرا قرر أن يفعل ما يفعله بقية الرؤساء غير الشرعيين؛ تزوير الانتخابات وإعلان نفسه رئيسا!

لهذا فاز في انتخابات أمس، والمراقبون يدركون مسبقا أنه يعجز عن جمع عشرة في المائة من أصوات مواطنيه، وأنها انتخابات مطبوخة على نار ملتهبة. باختصار يصعب على أي مواطن أن يصوت لرجل أخذ الحكم في وضح النهار بدون حق مهما لبس من أردية الديموقراطية.

والنقطة الأهم أن الشرعية ليست فقط انتخاب وديموقراطية، بل مصداقية الرجل ومصداقية حكمه وقبول الناس له. وهذا ما جعل شخصا مثل الرئيس هاشمي رافسنجاني يخاطب المصلين يوم الجمعة الماضية قائلا إن النظام الإيراني يواجه أكبر خطر ألا وهو فقدان ثقة الناس فيه. الجنرال ولد عبد العزيز قد يفلح في البقاء في القصر في نواكشوط، الذي كانت وظيفته الأصلية حمايته لكنه خان الأمانة واستولى عليه، لكنه لن تغمض له فيه عين، لأن هناك جنرالات آخرين سيجدون شرعية أكثر في الإطاحة به غدا، ويعرفون أن السارق من السارق كالوارث من أبيه.

في رأيي، لو بقي الجنرال عبد العزيز في منصبه حاكما بالقوة كان خيرا له من أن يدعو للانتخابات ليضيف إلى صفاته غدا حاكما بالتزوير. لو بقي جنرالا في ملابسه العسكرية لربما قبل الناس فكرة الانتظار والتعامل مع انقلاب وزعيم انقلابي، لكن أن يكون حاكما منتخبا بأصواتهم فهو بالفعل «حشف وسوء كيله». الانتخابات لم تمنحه الشرعية، ولن تمنحه ما يرجوه من علاقات وشرعية خارجية. ولا أعتقد أن لديه شيئا من خصائص الحكم بالقبول بالمشاركة مع المعارضة التي نحاها من السلطة.

[email protected]