حان وقت اختبار أوباما: تحديات الرعاية الصحية وعجز الموازنة

TT

يواجه الرئيس الأميركي باراك أوباما اختبارا صعبا خلال الصيف الحالي، وفي الوقت الذي نجده فيه مستحوذا على أصول مهمة، فإنه يواجه في اللحظة ذاتها توترات عميقة داخل ائتلافه الحاكم. ومن شأن ذلك إجباره على اتخاذ قرارات صعبة في وقت مبكر عما كان يبغي.

وتتضمن هذه الأصول استمرار مشاعر الود تجاهه من جانب أغلبية كبيرة من الشعب، وقاعدة سياسية راسخة على غرار تلك التي مكنت رونالد ريغان من ممارسة الحكم بكفاءة حتى خلال فترات تراجع شعبيته، إلى جانب حزب جمهوري ضعيف يقتصر تأييده على أقصى يمين المشهد السياسي.

في الوقت ذاته، سيواجه أوباما مطالب بالتدخل لإدارة الانقسامات المتصاعدة داخل الأغلبية المساندة له، ما بين مجموعة تقدمية واسعة النطاق تشكل اللب، والمجموعات الهامشية الخارجة من تحت عباءتها وتتسم بطابع آيديولوجي أقل. بالنسبة للتقدميين، تعتمد سلامة الرئيس السياسية على المدى البعيد على تحقيق مكاسب ملموسة للناخبين من أبناء الطبقة الوسطى، على أصعدة مثل الرعاية الصحية والتعليم والأمن المالي، حتى وإن جاء ذلك على حساب عجز أعلى بصورة مؤقتة في الميزانية.

في المقابل، يساور الكثير من أنصار أوباما المعتدلين القلق حيال هذه العجز، ويعربون عن تشككهم إزاء جدوى ما يفعله التقدميون فيما يخص قدرة الحكومة على إحداث تغيير. بيد أن توجهات مؤيدي أوباما المعتدلين تجاه الحكومة لا تتسم بالعداء الذي يبديه المحافظون، وإنما تغلب عليها الحيرة والارتباك.

وتبلغ مثل هذه التوترات ذروتها من حيث الأهمية، والصعوبة في التعامل معها، في ما يخص قضية الرعاية الصحية. والملاحظ أنه في الوقت الذي تضغط فيه العناصر المعتدلة داخل مجلس الشيوخ من أجل اتباع توجه أقل قوة نحو الإصلاح، يخشى التقدميون من التداعيات المترتبة على تقديم قدر مفرط من التنازلات. ويعتقد التقدميون أن الحلول الوسطى التي يؤيدها المعتدلون ستسفر عن خطة صحية لا يزال تطبيقها بحاجة إلى زيادات ضريبية مؤلمة سياسيا، لكنها في الوقت ذاته تقدم قدرا ضئيلا للغاية من المكاسب الملموسة إلى الأميركيين من أبناء الطبقة الوسطى الذين يتطلعون نحو أوباما لتحسين أوضاعهم.

وتكمن الخطورة في أن المركز السياسي داخل الكونغرس ـ تحديدا داخل مجلس الشيوخ ـ يختلف عن المركز السياسي على مستوى البلاد. على سبيل المثال، بينما يعرب بعض الديمقراطيين المعتدلين عن تشككهم حيال دمج خيار حكومي كأحد الخيارات المطروحة في إطار نظام رعاية صحية معدل، تكشف الكثير من استطلاعات الرأي التي أجريت أخيرا تأييدا واسع النطاق لمثل هذه الخطة العامة. بالنسبة لأعضاء مجلس الشيوخ، تحمل القضية طابعا آيديولوجيا، علاوة على أن آراءهم تتأثر بمخاوف جماعات المصالح. إلا أنه بالنسبة لغالبية الناخبين، تشكل الخطة العامة خيارا إضافيا وإيجابيا يوسع من نطاق قدرتهم على التفاوض داخل سوق الرعاية الصحية.

على الرغم من هذه التحديات، فإن أوباما يدخل النصف الثاني من عامه الأول في الرئاسة بمعدلات تأييد تتراوح بين أواخر الـ50% ومنتصف الـ60%. ومثل ريغان، يتمتع أوباما بتأييد أقرب للإجماع داخل حزبه، حيث يتمتع بتأييد 9 من بين كل 10 ديمقراطيين، علاوة على معدلات تأييد مشابهة في صفوف الليبراليين.

إضافة إلى ذلك، يستحوذ أوباما على مساندة المركز السياسي. وتشير الأرقام إلى أن معدلات تأييده ظلت عند مستوى يتراوح بين 55% و65% بين المستقلين، وبين 65% و70% بين المعتدلين.

ويمكن القول إن التغيير الأكبر الذي طرأ على استطلاعات الرأي خلال الشهور الأولى من تولي أوباما الرئاسة تمثل في تنامي شوكة المعارضة له المنتمية إلى اليمين السياسي. جدير بالذكر أن استطلاعا أجراه معهد «غالوب» أخيرا توصل إلى أنه في أوساط الجمهوريين المحافظين، يوافق 16% فقط على أداء أوباما، ومن بين جميع الذين نعتوا أنفسهم بالمحافظين، جاء مستوى تأييده عند منتصف الـ30%.

ويخلق هذا الأمر مشكلة أمام القيادات السياسية الجمهورية، فعلى الرغم من أن هجماتهم الشديدة ضد الرئيس تكسبهم صيحات التأييد من جانب أبناء القاعدة المؤيدة لهم، فإنها تتناقض مع توجه الرأي العام الذي لا يزال يمنح أوباما حق الانتفاع بقرينة الشك. وعليه، ليس من المثير للدهشة أن يكشف استطلاع للرأي أجري أخيرا برعاية الصحيفة وقناة «إيه بي سي» التلفزيونية، أن 36% فقط من الأميركيين لديهم وجهة نظر إيجابية تجاه الحزب الجمهوري، بينما أعرب 56% عن وجهة نظر سلبية. بل وجاء وضع الحزب الجمهوري أكثر سوءا في نتائج استطلاعات أخرى.

ومع ذلك، يبقى من الصعب على أوباما الاحتفاظ بتأييد تياري اليسار والوسط، بينما يواجه خيارات من المحتمل أن تثير الانقسامات في إطار جهوده للتعامل مع الاقتصاد المتردي.

وإذا نجحت الضغوط قصيرة الأمد للاهتمام بالمخاوف المتعلقة بعجز الميزانية في تقييد طموحات أوباما، فإن النتيجة ربما لا تقتصر على إثارة سخط التقدميين، وإنما كذلك إصابة العناصر ذات الطابع الآيديولوجي الأقل قوة بخيبة الأمل. وعلى الرغم مما يبدونه من تشكك حيال الحكومة، فإن معظم أفراد المجموعة الأخيرة يرغبون في أن ترعى واشنطن جهودا للتوسع الاقتصادي، وتعمل على تحسين مستوى الرعاية الصحية.

وبذلك يتضح أن الرئيس سيتعين عليه تحقيق توازن بين القلق إزاء فقدان مساندة بعض المعتدلين والخطر الأكبر المتمثل في الإخفاق في تنفيذ التغيير الهائل الذي وعد به. أما النهج الواضح أمام أوباما ـ الذي من المحتمل أن يتبعه بالفعل ـ فهو السعي أولا لتحقيق إصلاحاته، خاصة في مجال الرعاية الصحية، ثم التحول إلى تناول عجز الميزانية، بمجرد شروع الاقتصاد في استعادة عافيته. (في الواقع، إن الانشغال المفرط بالعجز خلال فترة ركود اقتصادي ليس السبيل الملائم لاستعادة قوة النشاط الاقتصادي). وعلى أعضاء تيار الوسط من الديمقراطيين داخل الكونغرس تذكر أن الإخفاق في الوفاء بتعهدات بيل كلينتون خلال حملته الانتخابية عام 1992، خاصة بالنسبة لقطاع الرعاية الصحية، أسفر عن هزيمة منكرة بعد عامين عصفت بالمعتدلين والليبراليين في الحزب على حد سواء.

بوجه عام، يمكن القول إنه خلال الشهور الستة الأولى له في الرئاسة، أظهر أوباما أنه جدير بالمسؤولية التي ألقيت على عاتقه. ويحمل هذا الصيف اختبارا لقدرته على اتخاذ خيارات عسيرة، وجعلها تنجح.

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»