كيفية تحقيق سلام دائم

TT

تعد شراكة إسرائيل مع الولايات المتحدة أحد أهم أرصدتها الاستراتيجية. تقدم الولايات المتحدة لإسرائيل مساعدات أمنية واقتصادية مهمة وتمنحها تأييدا دوليا لا يقدر بثمن في الساحة الدولية. ووسط التقارب المشروع الذي بدأه الرئيس الأميركي باراك أوباما مع العالم العربي والإسلامي، من المهم عدم التقليل من قيمة الطبيعة متعددة الجوانب التي تتميز بها العلاقات الأميركية مع إسرائيل، وهي الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط التي تعتمد مبادئها الأساسية على القيم الغربية التي تدعو إلى حرية الجميع.

وفي أثناء فترة رئيس الوزراء آرييل شارون، وفترة إدارتي بعد ذلك، عززنا مع الرئيس جورج دبليو بوش العلاقات الإسرائيلية الأميركية على جميع المستويات وفي معظم القضايا. وكان ذلك التقدم يعتمد على نقاط تفاهم عميقة وسرية، مكتوبة وشفهية. وطوال فترة الانتفاضة الثانية، قدمت أميركا دعما غير مسبوق لصراع إسرائيل ضد الإرهاب الفلسطيني ولإقامة إسرائيل الحاجز الأمني. وقد وضعنا معا تصورا لـ«حل الدولتين» لكونه الطريقة الوحيدة لإنهاء الصراع بتبني «خارطة الطريق» وتنفيذها وما يتبعها.

وبأغلبيات ساحقة، صادق الكونغرس على رسالة الرئيس بوش في عام 2004 والذي يوضح فيه حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، بنفسها، ضد أي تهديد ويعترف بحقائق جديدة على أرض الواقع، حيث ستكون مراكز السكان اليهود في الضفة الغربية جزءا لا ينفصل عن دولة إسرائيل في أي اتفاق على وضع دائم في المستقبل. واعترفت الولايات المتحدة بأن الدولة الفلسطينية المستقبلية ستمثل حلا لمشكلة اللاجئين، حيث سيعاد توطينهم هناك وليس في إسرائيل. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2007، اجتمعت إسرائيل والسلطة الفلسطينية وإدارة بوش في أنابوليس بهدف موحد لحل جميع القضايا المعلقة. وقدم اجتماع أنابوليس إطارا لمباحثات مباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين لوضع نهاية للصراع ولجميع المطالب.

ولكن اليوم، بدلا من العملية السياسية، أصبحت قضية بناء المستوطنات هي التي تقود جدول الأعمال بين الولايات المتحدة وإسرائيل. ويعد ذلك خطأ لا يخدم عملية السلام مع الفلسطينيين أو العلاقات بين إسرائيل والعالم العربي. وبالإضافة إلى ذلك، توجد إمكانية زعزعة العلاقات الأميركية الإسرائيلية. والمستوطنات قضية خلاف بين إسرائيل والولايات المتحدة، على الرغم من أن الولايات المتحدة لم تؤيد إقامتها، بل في بعض الأحيان كانت تعترف بالواقع الذي تطور على مدار 40 عاما.

وقد وصل شارون إلى نقاط تفاهم مع الإدارة الأميركية فيما يتعلق بالنمو وبناء المستوطنات، كجزء من خارطة الطريق. وتضمنت نقاط التفاهم:

- لن يتم بناء مستوطنات جديدة.

- لن يتم تخصيص أراض جديدة أو مصادرتها من أجل بناء المستوطنات.

- يجب أن تتم أي أعمال إنشاء في المستوطنات داخل حدود البناء الحالية.

- لن تقدم حوافز اقتصادية تشجع على التوسع في بناء المستوطنات.

- سيتم تفكيك أي مواقع غير مصرح بها بنيت بعد مارس (آذار) عام 2001 (وهو الالتزام الذي لم تف به إسرائيل للأسف).

وتقدم تلك النقاط قاعدة عمل، وفي رأيي، توازنا مناسبا يسمح بوجود العناصر الأساسية للاستقرار والحياة الطبيعية للإسرائيليين الذين يعيشون في مستوطنات حتى يتحدد مصيرهم في اتفاق على وضع دائم. وقد تبنيت تلك النقاط واتبعتها بالتنسيق مع إدارة بوش.

وعلاوة على ذلك، في أثناء الإعداد لمؤتمر أنابوليس وفي الاجتماعات التي عقدت هناك، أوضحت للإدارة الأميركية والقيادة الفلسطينية أن إسرائيل ستستمر في بناء المستوطنات فيما يتماشى مع المعايير السابقة. ودعوني أوضح: بدون تلك النقاط، لما كانت عملية أنابوليس لتخرج بأية صورة. وبذلك، من المفيدة حاليا التركيز على بناء مستوطنات. ولن يقوي الإصرار الحالي على وقف كامل لبناء المستوطنات، الذي من المستحيل تماما تنفيذه، من الجهود الفلسطينية لتعزيز إجراءات الأمن، وبناء المؤسسات المهمة للغاية من أجل تنمية دولة فلسطينية، وتحسين حركة الفلسطينيين ودخولهم، وتحسين الحالة الاقتصادية في الضفة الغربية. وكذلك لن يضعف من حكومة حماس في غزة. ولن يجلب المزيد من الأمن إلى إسرائيل، ولن يساعد على تحسين علاقة إسرائيل بالعالم العربي أو يقوي من تحالف الدول العربية المعتدلة أو يحول الميزان الاستراتيجي في الشرق الأوسط.

إن العملية السياسية التي تتطلب اتخاذ قرارات شجاعة من قادة الطرفين وحدها هي التي يمكنها أن تحل مشكلة المستوطنات.

وحتى اليوم، لا يمكنني أن أستوعب سبب عدم قبول القيادة الفلسطينية العرض بعيد المدى وغير المسبوق الذي قدمته لهم. وكان اقتراحي يتضمن حلا لجميع القضايا المعلقة: التفاهم حول الأرض، والترتيبات الأمنية، والقدس، واللاجئين.

ويجدر البحث في الأسباب وراء رفض الفلسطينيين لعرضي وتفضيلهم بدلا منه التراجع، متجنبين اتخاذ قرارات حقيقية. وكان اقتراحي سيساعد على تنفيذ «حل الدولتين» بما يتماشى مع مبادئ الإدارة الأميركية، والحكومة الإسرائيلية التي كنت أترأسها، والمعايير التي اتبعتها القيادة الفلسطينية على مدار الأعوام.

وأعتقد أنه من المهم مراجعة الدروس المستفادة من رفض الفلسطينيين لمثل ذلك العرض. ويحول التركيز على قضية بناء المستوطنات، مع تجاهل نقاط التفاهم السابقة، بصورة غير عادلة الانتباه عن عملية السلام الحقيقية وعن التعامل مع القضايا الاستراتيجية الفعلية التي تواجه المنطقة.

ويجب رفع بناء المستوطنات من على الأجندة العلنية ونقلها إلى حوار منفصل، كما كان في الماضي. وسيعزز ذلك من علاقاتنا الثنائية ويسمح لنا بالتعامل مع القضايا الجوهرية: العملية السلمية، ومنع محاولة إيران للحصول على أسلحة نووية، والتخلص من الإرهاب الإسلامي المتطرف، وإقامة الحوار اللازم لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والعالم العربي. إن وقت التعامل مع تلك القضايا المهمة ينفد. ولا يمكننا أن نضيع الوقت المتبقي لدينا في قضايا ليست ذات أولوية.

*رئيس وزراء إسرائيل من عام 2006 إلى 2009

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»