العرب بحاجة إلى الحديث مع الإسرائيليين

TT

إننا بحاجة إلى انتهاج طريقة تفكير جديدة إذا ما أردنا أن تُحدث مبادرة السلام العربية ما تستحقه من تأثير على الأزمة التي فاقمت، من دون داع، من أوضاع الفلسطينيين، وتهدد الأمن الإسرائيلي.

إن الأزمة لا تستعصي على الحل، ولا تقتضي بالضرورة فوز أحد الطرفين أو خسارة الآخر. كما أن مردود السلام على الشرق الأوسط بكامله سيكون هائلا. لكن لماذا لم نحقق شيئا؟

إن خطأنا الأكبر هو أننا افترضنا أن باستطاعتنا تحقيق السلام كإشعال مصباح كهربائي، والحقيقة هي أن السلام عملية مبنية على فكرة جيدة، لكنه يتطلب أيضا قدرا كبيرا من الدعاية التي تستهدف على نحو متأن ومتكرر جميع الأطراف المعنية. وهذا هو ما لم نقم به نحن العرب على نحو كاف للاتصال بصورة مباشرة بشعب إسرائيل.

ربما نلتمس العذر للإسرائيلي، اعتقادا أن كل صوت مسلم ينطق بالكراهية لهم، لأن ذلك هو الشيء الوحيد الذي يسمعه، كما يمكن أيضا أن نلتمس العذر للعربي على الاعتقاد بأن كل إسرائيلي يرغب في تدمير كل فلسطيني.

حقيقة الأمر أننا لم نبذل جهدا كافيا في أن نظهر للإسرائيليين كيف يمكن لمبادرتنا أن تشكل جزءا من سلام بين نظراء في أرض مضطربة تتمتع بقداسة لدى ثلاث ديانات عظيمة.

وكان آخرون أقل تحفظا، إذ يعلمون أن نجاحنا سيهدد مصالحهم الراسخة في استمرار نحر بعض الفلسطينيين والإسرائيليين رقاب بعضهم. إنهم يريدون للضحايا أن يظلوا ضحايا حتى يتمكنوا من التلاعب بهم كعملاء في لعبة أوسع على السلطة. أما البقية منا ـ وهم الأغلبية الساحقة ـ فمصلحتهم تكمن في عكس ذلك.

ومن مصالحنا أن نتحدث الآن لسببين: أولهما أننا سنتمكن من تجفيف بركة البغض التي يوغل فيها دعاة الكراهية من الجانبين.

الثاني أن السلام سيجلب الرخاء، وقد تمكنت دول مجلس التعاون الخليجي الست المصدرة للغاز والنفط، بالفعل، من التحول إلى سوق قوية يبلغ حجم تعاملاتها تريليون دولار. وإزالة التهديد المتواصل بالموت والدمار ستفتح الطريق أمام حقبة من الاستثمار والشراكة والتنمية على نطاق أوسع يشمل المنطقة بأسرها. وتلك جائزة ثمينة لحل معضلة العدل للفلسطينيين من دون ضيم لإسرائيل. فواقع الأمر أن هذه هي القضية التي تشوه الصورة الذاتية للعرب، وتبدد الكثير من طاقاتنا بعيدا عن التنمية الاقتصادية والسياسية التي تحتاجها المنطقة.

وقد جعلت السنوات المهدرة من الجمود في الموقف الإسرائيليين يتخذون موقفا متشددا، يصم الفلسطينيين على السواء بأنه أعداء وليسوا بشرا عاديين مثلهم.

رفع العقيرة بالحديث عن السلام أمر مهم لكنه ليس كافيا، بل يجب على حكوماتنا والأطراف المعنية بالصراع أن تكون على استعداد لتنفيذ كل التدابير العملية التي تسهم في تذليل المصاعب اليومية التي يعانيها الفلسطينيون.

إن النزاع بين القوميتين في الأرض المقدسة ليس قدرا، لذا فإن ما يمكن أن يوحدهم غدا أكبر مما يفرقهم اليوم.

يحتاج كلا الجانبين إلى العون من أصدقائه في صورة تدخل بناء للوصول إلى تسوية عادلة. أما ما لا نحتاجه فهو الرفض المستمر لأي مبادرة تسعى إلى إذابة الجليد.

ولنأخذ بعين الاعتبار مبادرة السلام العربية التي أطلقها الملك عبد الله ملك السعودية. وتعد هذه المبادرة جهدا حقيقيا لتطبيع العلاقات بين المنطقة العربية بأسرها وإسرائيل، في الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة، وحل عادل لمأساة الفلسطينيين الذين يعيش كثيرون منهم في مخيمات اللاجئين في ظروف مأساوية.

يجب أن نوقف لعبة الانتظار الأنانية تلك التي يرفض فيها كل طرف التنحي عن موقفه حتى يقوم الطرف الآخر بالخطوة الأولى، بل يجب علينا أن نسمو فوق ذلك، وكل الأطراف بحاجة إلى اتخاذ خطوات متزامنة حسنة النية إذا ما أردنا أن تكون هناك فرصة لتحقيق السلام. ويتطلب السلام الدائم والحقيقي الدخول في مفاوضات ومصالحة شاملة على المستوى الإنساني، وهو ما سيتحقق إذا ما تم التعامل مع كل القضايا الجوهرية التي تفرق العرب والشعب الإسرائيلي، وتسويتها. ستكون القضية الأولى مسألة فلسطين والأراضي العربية المحتلة. والحقيقة أن عدم حدوث ذلك حتى الآن يفسر السبب وراء جمود الاتفاقات الأردنية والمصرية مع إسرائيل. فلم تكن شاملة.

يجب أن نتحرك باتجاه سلام حقيقي الآن عبر مشاورة وتعليم شعوبنا، والوصول إلى الشعب الإسرائيلي لإبراز فوائد السلام الحقيقي. ولكي نكون فاعلين يجب علينا أن نعترف بأن النافذة الأساسية للمواطن الإسرائيلي على العالم، مثل الشعوب الأخرى في أي مكان، هي وسائل إعلامه المحلية والوطنية. ولذا فإن مهمتنا تتمثل في التحدث بصورة مباشرة مع الشعب الإسرائيلي، عبر نقل الرسالة إلى وسائل إعلامهم، وتكون هذه الرسالة تعكس آمال الغالبية العظمى من العرب التي تؤكد على السلام كخيار استراتيجي، وتدافع عن مبادرة السلام العربية كسبيل لتلك الغاية. وهناك بعض الأصوات التصالحية من داخل إسرائيل قد تساعد في التسريع بتلك العملية.

ويساوي بعض العرب ببساطة بين التواصل والتطبيع، حيث قد يخيل للبعض على أنه هرولة باتجاه التطبيع. لكننا نعلم جميعا أن الحوار لا بد من تعزيزه لتحقيق تقدم حقيقي. فكلنا بحاجة إلى اتخاذ الخطوة المحورية الأولى لوضع أسس مشتركة لتحقيق السلام بصورة فاعلة، لذا يجب علينا جميعا الاستثمار في عملية التواصل.

وما إن نحقق السلام فإن التجارة ستتبعه، ويمكننا عندئذ تكوين دائرة من المكاسب لأن التجارة ستكتسب زخمها الخاص. وعبر وصول المال الحقيقي إلى أيدي شعوبنا ومنحهم السلطة الحقيقية في معيشتهم ستعمل التجارة على ضمان استمرارية السلام. والتجربة اليومية ستطور المفاهيم، وتبني علاقة من الثقة والمصلحة المتبادلة التي من دونها ستكون عملية صنع السلام بعيد المدى مستحيلة.

وعندما يتحقق الاستقرار ستصبح النزاعات مكلفة جدا. ولذا يجب علينا بذل المزيد من الجهد لتحقيق السلام.

* ولي عهد مملكة البحرين

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»