ببلاش!

TT

يبدو أن كلمة «مجانا» ستصبح إحدى أهم مقدمات النجاح الاقتصادي للفترة القادمة. فاليوم توجد كميات متزايدة من الخدمات التي تقدم بالمجان وبشكل مبهر وناجح، كل ذلك في سبيل كسب العملاء والإبقاء عليهم. وخير شاهد وأبلغ دليل على صدق هذه المقولة هو ما يقدم اليوم على مواقع الإنترنت من إعلام ومعلومات وترفيه، وكل ذلك بدون أي مقابل مادي. فاليوم أنت باستطاعتك تصفح الإنترنت عن أي معلومة تنشدها وبإمكانك الاطلاع على صحيفتك أو مجلتك المفضلة بحلتها الإلكترونية وبإمكانك الاستماع لمقاطع مبرمجة لأفلام وأخبار. ولا يقتصر الأمر على ذلك فحسب، ولكن الآن من الممكن الاتصال هاتفيا لأي مكان بالعالم عن طريق الإنترنت أيضا بالمجان، وكذلك إنزال مجموعة مهولة من الأفلام والأغاني للاستماع أو الحفظ. حتى عملاق محركات البحث شركة «غوغل» العملاقة تقدم خدمات البحث والبريد الإلكتروني بالمجان مقابل أن تحصل على مداخيل من عمليات الدعاية والإعلان على مواقعها. واليوم شركة «آبل» المشهورة بمنتجاتها اللافتة تستمر في تخفيض أسعار منتجها الأخير «الآي فون» حتى إنه بات من المنتظر أن يقدم التلفون هذا بالمجان نظير رسوم التطبيقات التي ستباع عليه للاستخدام المختلف. كل هذه الأفكار ستفرض على مقدمي الخدمات الهاتفية والمعلوماتية والإعلامية وغيرها الاعتماد على مصادر دخل «خلاقة».

الإنترنت وعالمها المثير والمعقد أعادت تقديم مفهوم «التسعير» ومبدأ «مقابل الخدمة» بشكل ثوري واضح أجبر الكثيرين على إعادة هيكلة تسعيرة خدماتهم ونوعية المنتج المقدم. هذا لا ينفي وجود بعض الشركات التي استغلت الإنترنت وقدمت تسعيرات «مرتفعة» على عكس التيار العام، ففي مجال الصحافة تقوم «النيويورك تايمز» و«الوول ستريت جورنال» بتقاضي الرسوم لقاء الاطلاع على محتوياتهما، وكذلك تقوم «آبل» عبر موقعها الموسيقي الشهير «آي تيونز» بتقاضي مبالغ لقاء «تنزيل» الأغاني منه. شركات الاتصالات حول العالم تشهد تحدي أسعار، فها هي أسعار المكالمات تستمر في الهبوط (حتى إن الكثيرين يتوقعون أن تتحول للمجان) وأن تعتمد الشركات في مداخيلها على المنتجات الخدمية الأخرى من معلومات وترفيه وإرشاد وتواصل وتسويق. فالهاتف تحول إلى أداة ووسيلة متعددة المهام، واحدة منها الاتصال بالناس، وستكون الخدمات هذه كلها مدخولا أهم وأكثر ربحية لشركات الهاتف عن المكالمات نفسها. ولكن عربيا للاستفادة من هذه الفرصة لا بد من تطوير قاعدة المستخدمين والعمل على إزالة «الأمية الإلكترونية»، وتحسين المناخ القانوني لحقوق الملكية الفكرية وتطوير أساليب السداد الإلكتروني والتدقيق فيه. المجان سيكون سيد الموقف في الفترة القادمة وسيكون تحديا جديرا بالمتابعة كيف ستجنى الأرباح من المجاني!