حركة الحرامية

TT

يؤسفني أن أكرر ما سبق وقلته مرارا، وهو أن أسمّي حركة التحرر الوطني بحركة الحرامية. كان الأفندية، أبناء الطبقة المتوسطة، يعيشون مرفهين في العهد العثماني بفضل السرقات والرشى. جاء الإنجليز فمنعوهم فثاروا عليهم. حصلوا على الاستقلال فعادوا إلى السرقات والرشى، وهو واقع الأمور التي نجدها أمامنا الآن. حاول البعض مقاضاتي بدعوى العيب عندما سميت الحرامية بأسمائهم وذكرت سرقاتهم. من أكبر هذه السرقات استيلاء الأفندية على الأراضي الأميرية. دأب الخلفاء وسلاطين آل عثمان والحكام الإنجليز على اعتبار هذه الأراضي ملك الدولة، أراضي أميرية، أرض الله. وجاء الأفندية الوطنيون واستولوا عليها، وبدلا من إنهاء الإقطاعية كما وعدوا، وسّعوها وعمقوها.

تغص لندن الآن بالمؤتمرات والندوات والمحاضرات العربية. أخذت أشعر بالقرف منها، وبصورة خاصة بكثرة ما يتردد فيها من كلام عن دور «المثقفين». فأنا أعتبر المثقفين العرب في طليعة الحرامية العرب، ولا أدل على ذلك من دأبهم على سرقة بعضهم أعمال وجهود بعض. الفضائح معروفة وشائعة دون أن يستطيع أحد فعل أي شيء بشأنها. لماذا؟ لأننا ـ على ما يبدو لي ـ نعتبر السرقة جزءا من التراث، وحاميها حراميها. تشتكي من مثقف عند مثقف، تشتكي على ناشر أو أديب عند قاض وأديب. يقطعون يد من يسرق «بايسكل» ويتركون من يسرق جهود عشرين سنة من البحث والتفكير والكتابة وسهر الليالي. أنا أعرف نفرا من كبار المؤلفين والأكاديميين سرقوا أعمالهم من تلامذتهم وزملائهم. لا يطيب لهم شيء كما يطيب عندما يسمعون بأن مؤلف العمل الذي بأيديهم قد توفاه الله في أثناء ذلك.

دون تعريض نفسي لدعوى العيب، أستشهد بنفسي وأحتمي من نفسي بنفسي. من كندا إلى مصر فلبنان والخليج وكردستان، يسرق الناشرون مقالاتي، أحيانا حتى دون ذكر اسم الكاتب، وينشرون كتبي ويعيدون طبعها بعلمي أو دون علمي، ويعدونني أحيانا بدفع أجور عنها دون أن أتسلم مليما من ذلك. مؤلفاتي هي بضاعتي الوحيدة، والكتابة هي وسيلتي الوحيدة لكسب معيشتي ومساعدة ذويّ في العراق. أقولها بكل صراحة وموضوعية، لو كان الحكم بيد الإنجليز لقاضيتهم في المحاكم، ولكن عندنا الآن حكم وطني يعتبر السرقة جزءا من التراث، والأمور بيد المثقفين والوطنيين.

يدور كثير من الكلام في هذه الأيام عن محاربة الفساد، بيد أنني لم أسمع عن أي وسيلة أو أداة عملية تؤدي إلى القضاء فعلا على الفساد. مرة أخرى أسأل: لماذا؟ لأن حاميها حراميها. مثقف لا يكسر بمثقف. يتكلمون عن مكر المرأة، أين ذلك من مكر المثقفين العرب؟

قبل بضع سنوات دعوني مرتين لحضور اجتماعات منظمة الإصلاح العربي. هل كان هذا اسمها؟ لم أعد أتذكره. كل ما أتذكر هو الحاجة إلى منظمة لإصلاح منظمة الإصلاح العربي، وهذه حياتنا. لجنة متفرعة عن لجنة تابعة لمنظمة مسؤولة عن مؤسسة مربوطة بصندوق، الصندوق يحتاج إلى مفتاح، والمفتاح عند الحداد، والحداد يريد فلوسا، والفلوس عند العروس، والعروس في أمريكا. والمثقفون يدورون من عرس إلى عرس.

www.kishtainiat.blogspot.com