اعتذارات متأخرة

TT

كتبت الأسبوع الماضي عن انعدام فكرة، أو ثقافة، الإنتاج في العالم العربي، وتحدثت عن استثناءات، أهمها «أرامكو» التي توظف نحو 75 ألف سعودي. والحقيقة أنني بنيت ذلك على مقال، قيّم كالعادة، للأستاذ عبد الرحمن الراشد، نُشر قبل أشهر. وقد تكرم الأمير طلال بن عبد العزيز واتصل موضحا أن موضوع النقاش لا ينطبق على المثل الذي أعطيت، لأن «أرامكو» أسسها الأميركيون ثم تولاها السعوديون، وكأن الأحرى أن أعطي «سابك» كمثال، أو نحو عشر شركات أخرى، توظف عشرات الآلاف في البتروكيماويات والصناعة والزراعة والغذاء وغيرها. وذكّرني اتصال الأمير طلال بأنني مدين إليه ـ وإلى قراء هذه الزاوية ـ باعتذار عميق لعلني أقدمه ولو متأخرا. فيوم أُعطيَ المهندس محمد يونس جائزة نوبل للسلام، لما فعله في ما يمكن تسميته «اقتصاد الفقراء»، خطر لي أن أكتب، محتجا، أن الأمير طلال سبق الرجل بسنين وربما بأشواط في هذا المجال. وقد حول مساعدة الفقراء على الاستقلال، حول العالم، إلى مؤسسة «أفغاند» تشرف عليها الأمم المتحدة. وكنت أحضر في جنيف، كل عام، عرضا لهذه المنجزات في أميركا اللاتينية أو مصر أو بنغلادش، عند السيد محمد يونس. وبعد «أفغاند» أطلق الأمير طلال «الجامعة المفتوحة» في العالم العربي، وهي إحدى أنجع وأوسع السبل تنشر التعلم في أمة تنهشها الأمية، خصوصا في نصفها الأنثوي.

حسنا، ما دامت الفكرة خطرت، فلماذا لم تكتب؟ وما هو الخطأ في الإشارة إلى حقوق الناس؟ أو ما هو السبب؟ هل هو أنهم أمراء؟ نعم. هناك أمراء كثيرون خفنا أن نشير إلى استحقاقاتهم أو ميزاتهم، خوفا من أن نُتهم بالتملق. ونحن متهمون في أي حال. وقد وصفني صحافي على لائحة طويلة من المتملقين للسعودية أسفني أنني لم أقرأها لأن صحيفته دخلت مرحلة الطباعة والتوزيع، ويبقى أن تبلغ مرحلة القراءة. عندما يجبن المرء عن ذكر قضية كبيرة لسبب مبالغ في الصغر، تكون المسألة لا تُغتفر. ويفقد عمل البر الكثير من وهجه بل الكثير من خيره، عندما يحول إلى صناعة شخصية. لكنني لا أفهم لماذا يجوز للعالم أن يتحدث طوال أشهر عن محمد يونس ـ بكل ما يستحق ـ ولا يجوز أن يأتي على ذكر طلال بن عبد العزيز لمجرد أنه أمير؟

لذلك أكتب متأخرا وأعتذر متأخرا. وفي قلبي اعتذارات كثيرة عن جبن كثير. ليس فقط من أمراء سعوديين بل من أصدقاء ومعارف كثر. ولست أفهم لماذا من المقبول أن تُكتب الدراسات والمقالات والمدبجات عن شعراء تحت العاديين ولا يحق لنا أن نذكر شاعرا مثل بدر بن عبد المحسن أو عبد الرحمن بن مساعد. أيضا أعتذر.